للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمَّه وقال: يا عمّ، اتَقِ اللَّه فيَّ، وقد عرفتَ قَرابتي ورَحِمي، فإن زوَّجتَها غيري قَتلتَني وسَفَكْتَ دَمي، فأَنشُدُك اللَّه ورَحِمي، فرقَّ له وقال: يا بُنيَّ، أنت مُعْدَم، وقد أبَتْ أُمُّها أن تُخْرِجَها إلّا بمَهْرٍ غالٍ، فاذهب فاستَرزِق اللَّه في البلادِ واكتَسِبْ، فجاء إلى أُمَّها ولاطفَها وسألَها، فأبتْ إلّا بما تَحتكمُ من المهر، فعَزم على قَصْدِ ابنِ عم له باليمن مُوسِرٍ، فأَخبر عمَّه وامرأتَه بذلك، وأخذ عليهما العُهودَ أنهما لا يُحْدِثا حَدَثًا حتى يعود، وسافر، فلما قَدِمَ على ابن عمِّه عرَّفه حاله، فوَصله وكساه، وأعطاه مئةً من الإبلِ، فانصرف بها.

وكان قد نزل حيَّ عفراء رجلٌ من أهلِ الشامِ مُوسِرٌ، فرأى عَفراء فأعجبَتْه، فخطبها إلى أبيها، فاعتذر وقال: قد سمَّيتُها على ابنِ أخي، فأرغبه في المالِ فقال: لا حاجَةَ لي فيه، فعَدَل إلى أُمَّها، وأرغَبها بالمال فأجابَتْه، وقالت لزوجِها: أيُّ خيرٍ في عُروة حتى تَحبِسَ بنتي عليه؟ واللَّهِ ما نَدري أحيٌّ هو أم ميَّت؟ وهل يَنقلبُ إلينا بخيرٍ أم لا؟ ولم تزل به حتى أجاب، وزوَّجه إيّاها، وحوَّلها إليه، فقالت عفراءُ عند ذلك: [من مجزوء الكامل]

يا عُرْوَ إن الحيَّ قد نَقضوا … عَهْدَ الإله وحاولوا الغَدْرا

ودخل بها الرجلُ، وأقام عندهم ثلاثًا ثم ارتحل إلى الشامِ.

وعمد أبوها إلى قبرٍ عَتيقٍ، فجدَّده وسوَّاه، وسأل الحيَّ كِتمانَ أمرِها.

وقَدِم عروةُ بعد أيامٍ، فنعاها أبوها إليه، وذهب إلى ذلك القبرِ، وكان يَختلفُ إليه أيامًا حتى أخبرته جارِيةٌ من الحيِّ الخبرَ، فخرج إلى الشامٍ، فنزل على زوجِها وهو لا يعرِفُه، فأكرمه وأحسنَ إليه، فقال عروةُ لجاريةٍ لهم: هل لكِ في يَدٍ تُولينيها؟ قالت: وما هي؟ قال: تَدفعين خاتَمي هذا إلى عَفراء، فقالت: سَوْءةً لك، أما تَستحي من هذا القولِ؟ فأمسك عنها، ثم خاطبها مرارًا وهي تَردُّ عليه، فقال: وَيحك، واللَّه إنَّها ابنةُ عمي، فاطرحي هذا الخاتَمَ في صَبوحِها، فإن أنكَرَتْ عليك، فقولي: اصطَبَح ضَيْفُنا قبلَكِ، ولعلَّه سَقط منه، فرقَّت له الأَمَةُ وفعلت، فلما رأتْ عَفراءُ الخاتَمَ عَرفَتْه فقالت: اصدُقيني، فأخبرَتْها.

فلما جاء زوجُها قالت له: هل تَدْري مَن ضَيْفُكَ؟ قال: لا. قالت: إنَّه عُرْوَةُ، وقد