للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لئن كان بردُ الماءِ حَرّانَ صاديًا … إليَّ حَبيبًا إنَّها لَحبيبُ (١)

وقد ذكر أبو الفَرج الأصفهاني بمعناه وقال: وهو أحدُ المُتيَّمِين الذين قَتلهم الهوى، ولا يُعْرَف له شعرٌ إلا في ابنةِ عمّه عَفراء، ومازال به الحبُّ حتى مات.

وقال ابن الكلبي: كان إذا اشتد به الهيامُ أَلصق خَدَّه بحِياضِ النَعَمِ التي كانت تَرِدُ عليها إبلُ عفراءَ، فقيل له: ارفُق بنفسكَ، فقال: [من الطويل]

بي اليأسُ أوداءُ الهُيامِ أصابَني … فإياكَ عني لا يكنْ بك ما بيا

فما زادَني النَّاهونَ إلا صَبابَةً … ولا كثرةُ الواشين إلا تمادِيا

واختلفوا في وفاته، ذكر هشام بن الكلبي عن أبيه قال: لمّا عاد عروةُ من البَلقاءِ إلى أهلهِ وقد ضَنيَ، وكان له أخَواتٌ وخالة قد كانوا يُعلَّلونه، وهو لا يَزدادُ (٢) إلا سُقْمًا حتى مات.

وأنبانا غيرُ واحدٍ عن أبي الفضلِ محمد بن ناصرٍ بإسناده، عن النعمان بن بشير قال: استعملني عمر بن الخطاب -أو عثمان بن عفّان، شكَّ الهيثم- على صدقات سعد بن هُذَيْم وهم: عُذْرةَ، وسلامان، والحارث، وهم من قُضاعة، فلما قَبضتُ الصَّدقةَ وقَسمتُها بين أهلها، وأقبلتُ بالسَّهْمَيْنِ الباقِيَيْن إلى عمر أو عثمان، فلما كنتُ ببلادِ عُذرةَ في حيًّ يقال له: حيُّ بني هند، إذا ببيتٍ خارج عن الحيَّ، فملتُ إليه، وإذا بعجوزٍ جالسةٍ عند كسْرِ البيتِ، وإذا شابٌّ نائم في ظلِّ البيتِ، فسلَّمتُ عليه، فترنَّم بصَوتٍ له ضَعيفٍ، وقال:

جعلتُ لعرَّافِ اليَمامةِ حُكْمَهُ … وعرَّافِ نَجْدٍ إنْ هُما شَفَياني

فذكر الأبيات، ثم شَهق شَهقةً خفيفةً، فإذا به قد مات، فقلتُ للعجوزِ: ما أظنُّ هذا النائمَ بفِناء بيتكِ إلا قد مات، فقامت فنظرتْ إليه وقالت: فاض وربِّ محمدٍ، فقُلتُ: يا أمةَ اللَّهِ، مَن هذا؟ قالت: عروةُ بن حِزامٍ العُذرِيُّ، وأنا أُمُّه، قلتُ: فما صيَّره إلى هذا؟ قالت: العِشقُ، وواللَّه ما سمعتُ له أنَّةً منذ سنةٍ إلّا في صَدره، وفي يومنا هذا


(١) المنتظم ٤/ ٣٥٤ - ٣٥٧، وذم الهوى ٤١٠ - ٤١١.
(٢) في (خ) و (ع): وكان له أهل فما زلن يعللنه وهو يزداد سقمًا.