للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعتُه يقول: [من البسيط]

مَن كان من أُمّهاتي باكيًا أبدًا … فاليومَ إني أُراني اليوم مَقبُوضا

يُسْمِعْنَنِيهِ فإنّي غيرُ سامعِه … إذا علوتُ رقابَ القومِ مَعروضًا

قال النعمان: فأقمتُ واللَّه حتى غُسِّلَ وكُفِّنَ وحُنّطَ، وصُلِّيَ عليه ودُفِنَ، قال: فقلتُ للنعمانِ: ما دعاكَ إلى ذلك؟ قال: احتسابُ الأجرِ فيه.

وذكر أبو بكرٍ بن داود في كتاب "الزهرة" أن عروةَ لمّا مات مرَّ به رَكْبٌ فعرفوه، فلما انتهَوْا إلى منزلِ عَفراءَ صاحَ بعضُهم وقال: [من الطويل]

ألا أتُّها الميتُ المحجَّبُ أهلُه (١) … بحقَّ نَعَيْنا عُروةَ بنَ حِزامِ

فأجابتْه عفراءُ وقالت:

ألا أيّها الرَّكْبُ المُخِبّونَ وَيحكم … بحقَّ نَعيتُم عُروةَ بن حِزامِ

فأجابها بعضهم وقال:

نعم قد تَركناه بأرضٍ بعيدةٍ … مقيمًا بها في دَكْدَكٍ ورُخامِ

فقالت:

فإن كان حقًّا ما تقولون فاعلموا … بأنْ قد نَعيتُم بَدْرَ كلِّ تَمامِ

فلا لَقي الرّكبانُ بعدك لَذَّةً … ولا رَجعوا من غَيْبةٍ بِسَلامِ

ولا وَضَعتْ أُنثى تمامًا بمِثْلِهِ … ولا فَرِحَتْ من بعدهِ بغُلامِ

ولا لا بلغتُم حيث وُجِّهْتُمُ له … ونُغِّصْتُمُ لذَّاتِ كلِّ طَعامِ

ثم قالت: فأين دُفِنَ؟ فأخبروها، فسارت إلى قبرِه، فلما قَرُبت من قبرهِ قالت: إني أُريد قضاءَ حاجةٍ، فأنزلوها، فانسَلَّت إلى قبرِه، فانكبَّت عليه، فما راعهم إلا صوتُها، فلما سمعوها با دروا إليها، فإذا هي ممدودةٌ على القبرِ، قد خرجت نفسُها، فدفنوها إلى جانبهِ.

وروى أبو بكرٍ الخطيبُ بإسنادهِ عن معاذ بن يحيى الصَّنعاني قال: خرجتُ من مكة أُريد صنعاءَ، فلما كان بيننا وبينها خمسًا رأيتُ الناسَ يَنزلون عن مَحامِلهم، ويَركبونَ


(١) في (ك): ألا أيها الحي المعطل أهله، وفي الزهرة ١/ ٤٨٠، وتاريخ دمشق ٢٥١ (تراجم النساء)، وذم الهوى ٤١٧، والمنتظم ٤/ ٣٥٨: ألا أيها القمر المغفّل أهلُه.