للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفيها زاد عثمان النّداءَ على الزَّوراءِ، وهي دارُه التي بناها، وكان أذانًا واحدًا يومَ الجُمعةِ، فلما كَثُر الناسُ زاد هذا النداء الثاني، ويُسَمّى ثالثًا، وإنَّما صار ثالثًا بإضافته إلى الإقامة (١).

وفيها أشْخَصَ معاوية ﵁ أبا ذر إلى المدينة من الشام بأمر عثمان؛ وذلك أنهما اختلفا في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. . .﴾ الآية [التوبة: ٣٤]. قال أبو ذر: نزلت فينا، وقال معاوية: في أهل الكتاب، وجعل أبو ذر يقول: يا معشر الأغنياء، واسُوا الفقراء، ويتلو الآية، وكان معاوية يقول: المال مال اللَّه، فقال أبو ذر: لا تقل كذا، ولكن قل: مال المسلمين.

ورُوي عن محمد بن سيرين أن النبي ﷺ قال لأبي ذر: "إذا بلغ البِناءُ سَلْعًا فاخرُج منها، ونَحَا بيده نحو الشام، قال: ولا أرى أُمراءَك يَدَعونك"، قال: يا رسول اللَّه، أفلا أُقاتل مَن يحول بيني وبين دارك (٢)؟ قال: لا، قال: فما تأمُرني؟ قال: "اسمَع وأطِعْ ولو لعبدٍ حَبَشيٍّ".

قال: فلما كان ذلك خرج إلى الشام، فكتب معاوية إلى عثمان: أبا ذرّ، قد أفسد الناس بالشام، فبعث إليه عثمان، فقَدِم عليه، ثم بعثوا أهله من بعده، فوجدوا عندهم كيسًا، أو شيئًا، فظنُّوا بها دراهم، فقالوا: ما شاء اللَّه، فإذا هي فلوس.

فلما قدم المدينة قال له عثمان: كُن عندي، تَغدو عليك وتَروح اللّقاح، قال: لا حاجةَ لي في دُنْياكم، ثم قال: ائذَن لي حتى أخرجَ إلى الرَّبذة، فأذن له، فخرج إلى الرَّبَذة وقد أُقيمت الصّلاة، وعليها عبدٌ لعثمان حَبَشي، فتأخَّر، فقال له أبو ذرّ: تَقدَّم فَصَلِّ، فقد أُمِرتُ أن أسمعَ وأُطِيعَ ولو لعبدٍ حَبَشيٍّ، فأنتَ عبدٌ حَبَشيّ.

ورُوي عن شيخٍ وامرأتِه من بني ثعلبة قالا: نزلْنا الرَّبَذَة، فمرَّ بنا شيخٌ أشعثُ أبيض الرأس واللّحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول اللَّه ﷺ، فاستأذنّاه أن نَغسِل رأسَه، فأذِن لنا، واستأنَس بنا، فبينا نحن كذلك إذ أتاه نفرٌ من أهل العراق، فقالوا: يا أبا ذرّ، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصبٌ لنا رايةً، فنُمَلّكك برجالٍ ما شئتَ؟


(١) من هنا إلى قوله: وفيها توفي أي بن كعب، ليس في (ك).
(٢) في طبقات ابن سعد ٤/ ٢١٢: أمرك.