للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خوفًا منه: أخوك ابنُ رواحة، فغضب غضبًا شديدًا، فقالت له أمُّ الدرداء: لو كانت له قُدرةٌ لمنع، فقام أبو الدرداء، فاغتسل ولَبس حُلَّةَّ، وأتى رسول اللَّه وابنُ رواحةَ عنده، فلما نظر إليه ابنُ رواحة مُقبلًا قال: يا رسول اللَّه، هذا أبو الدرداء جاء في طَلبي، فقال رسول اللَّه : "إنما جاء ليسلم، أخبرني ربي بذلك" وأسلم.

وفي شهوده بدرًا وأُحدًا خِلافٌ، وآخى رسول اللَّه بينه وبين عوف بن مالك الأشجعي، وقيل بينه وبين سلمان الفارسي.

وكان من عِلية الصحابة ، وأهل البَيِّنةِ فيهم، وقد حدَّث عن رسول اللَّه أحاديثَ كثيرة، وشهد معه مشاهدَ كثيرة.

وكان زاهدًا عالمًا واعظًا فاضلًا قانِعًا، ولاه عمر بن الخطاب رضوان اللَّه عليه قضاءَ دمشق، فأصبح الناس يُهنِّئونه فقال: أتُهَنِّئوني بالقضاء وقد جُعلتُ على رأس مَهْواةٍ مَزَلَّتُها أبعدُ من عَدَن أَبْيَنَ، ولو علم الناسُ ما في القضاء لأخذوه بالدُّوَل، رغبةً عنه وكراهيةً له، ولو يَعلم الناسُ ما في الأذان لأخذوه بالدّوَل، رغبةً فيه وحِرصًا عليه.

شَهد اليرموك، وكان قاضي أهلِه، وكان عمر رضوان اللَّه عليه نقله إلى قضاء حمص، ثم أعاده إلى دمشق.

وكانت له دارٌ بدمشق تُعرف بدار البريد، وتُعرف اليوم بدار الغَزّي، فقالت أم الدرداء: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مئة خليلٍ في اللَّه، يدعو لهم في الصلاة، فقلتُ له في ذلك فقال: يا أمّ الدرداء، إنه ليس رجلٌ يَدعو لأخيه في ظَهر الغيب إلا وَكّل اللَّه به مَلَكين يقولان: ولك بمثل ذلك، أفلا أرغَبُ أن تَدعوَ لي الملائكة.

وقال: تَفكُّرُ ساعة خيرٌ من قيام ليلة.

وكان أفضلُ عمله التّفكُّر والاعتبار.

وكان يشتري العصافير من الصِّبيان فيُرسِلُهُنّ ويقول: اذهبْنَ فعِشنَ.

وقال: مَن يَزدَدْ عِلمًا يزدد وَجَعًا.

وقال: إن أخوفَ ما أخافُ أن يُقال لي يوم القيامة: علمتَ؟ فأقول: نعم، فيقال: فما عملتَ فيما عَلِمتَه؟