وما زال مَطرودًا مَنْفيًّا بأرض الطائف حتَّى تُوفّي رسول الله ﷺ.
فلما ولي أبو بكر رضوان الله عليه كلَّمه عثمان فيه فقال: عَمّي، فقال: عمك إلى النَّار، هيهات هيهات يا ابن أبي العاص أن أُغَيِّر شيئًا فعله رسول الله ﷺ، لا رَدَدْتُه أبدًا، فلما توفّي أبو بكر رضوان الله عليه كَلَّم فيه عمر رضوان الله عليه، فأغلظ له وقال: وَيحك يا عثمان، تتكلَّمُ في لعين رسول الله ﷺ وطريدِه، وعدوِّ الله وعدوِّ رسوله.
فلما مات عمر رضوان الله عليه وولي عثمان رضوان الله عليه كان أوَّل ما أحدث من الأحداث رَدّ الحكم إلى المدينة، فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار وأعيان الصحابة، وأنكروا عليه، وكان ذلك أوَّل ما أنكروا.
وأقام من سنة أربع وعشرين إلى سنة اثنتين وثلاثين مُكَرَّمًا عند عثمان رضوان الله عليه؛ يُعطيه الأموال، ويُكرم بنيه، ويَرفعهم على رؤوس الصّحابة، فلما توفّي الحكم غَسّله وكَفَّنه وصَلّى عليه، ومشى في جنازته، وضرب عليه فُسطاطًا، ولم يَشْهده أحد من المهاجرين والأنصار، سوى عثمان رضوان الله عليه وبني أميَّة، فاشتدّ ذلك على المسلمين، وأظهروا سبَّ عثمان رضوان الله عليه والوقيعةَ فيه، وناداه الأشتر النَّخعي وهو على المنبر: يا عثمان، تَذبَح حمامَ المدينة، وتُؤوي طَريدَ رسولِ الله ﷺ ولَعينَه، وتَضرب على قبره فُسطاطًا؟! ستَعلم. وكتبوا إلى الأطراف بإباحةِ دمه، فكان ذلك من أكبر الأسباب لقتل عثمان رضوان الله عليه.
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: كُنَّا جلوسًا عند النَّبيِّ ﷺ وقد ذهب عمرو بنُ العاص يَلبَسُ ثيابَه ليَلحقني، فقال رسول الله ﷺ:"يَدخُلُ عليكم الساعةَ رجلٌ لَعين"، فوالله ما زلتُ وَجِلًا، أَتَشَوَّفُ داخلًا وخارجًا حتَّى دخل فلان، يعني الحكم (١).
وقال الشَّيخ موفق الدين رضوان الله عليه في "الأنساب": كان الحكم من مُسلمة الفتح، وقدم المدينة، فأخرجه رسول الله ﷺ إلى الطائف؛ لأنَّه كان من المستهزئين برسول الله ﷺ، وكان يُؤذيه، ولعلّ النَّبيَّ ﷺ كان يَمقُته لما أطلعه الله عليه ممَّا يكون
(١) أخرجه أحمد (٦٥٢٠)، وابن عبد البر في الاستيعاب (٤٨٢).