للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال معاوية: ما أشاءُ من ذلك شيئًا، وأراد معاوية أن يَقطَعَه عن الكلام الذي عَنَّ له، ثم قال له معاوية: على أيِّ فَرسٍ أتيتَ؟ قال: على فرس أَجَشَّ هَزِيمِ، وأراد قولَ النَّجاشِيّ لمعاوية: [من الطَّويل]

ونجَّى ابنَ حَرْبٍ سابِحٌ ذو عُلالةٍ … أجَشُّ هَزيمٌ والرِّماحُ دَواني

إذا خِلتَ أطرافَ الرَّمَّاح تَنالُه … مَرَتْه به السَّاقانِ والقَدَمانِ

فغضب معاوية وقال: أما إنه لا يَركبه [صاحبه] في الظُّلَم إلى الرِّيَب، ولا هو ممّن يتسَوَّر على جاراته، ولا يَتوثَّبُ على كنائِنه بعد هجعة النَّاس، وكان عبد الرحمن يُتَّهم بذلك في كنائنه، فخجل عبد الرحمن (١).

وكان مروان يطوف بالبيت ويقول: اللَّهمَّ أذهب عني قولَ الشعر، وأخوه عبد الرحمن يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك ما استعاذ منه، فذهب الشعر عن مروان وقاله عبد الرحمن (٢).

وقال معاوية لعبد الرحمن: أراك تُعجَبُ بالشّعر، فإن قُلتَه فإياك والتَّشبيب بالنساء، فإنَّك تَعُرُّ به الشريفة، وتَرمي به العَفيفة، وتُقِرُّ على نفسك بالفَضيحة، وإياك والهجاء؛ فإنَّك تُحنِقُ به كريمًا، وتَستَثير لئيمًا، وإياك والمدح؛ فإنَّه كَسب الوَقاح، ولكن افخَرْ بمفاخِر قومِك، وقُلْ من الأمثال ما تَزينُ به نَفسَك، وتَتوَدَّدُ به إلى غيرك، فإن الشِّعرَ أدنى مُروءَةِ السَّرِيّ، وأفضلُ مروءةِ الدَّنيّ.

وعبد الرحمن هو القائل لما ضرب يزيد بنُ معاوية رأسَ الحسين بن علي بالقضيب؛ بكى وصاح وقال: [من الطَّويل]

لَهَامٌ بجنبِ الطَّفِّ أدنى قَرابة … من ابنِ زياد العبدِ ذي النسَّبِ الوَغْلِ

سُميَّةُ أمسى نَسلُها عددَ الحَصى … وبنتُ رسول الله أمستْ بلا نَسْلِ

فضرب يزيدُ صَدرَه بيده وقال: يا ابن الحَمقاء، ما لك ولهذا (٣).


(١) الأغاني ١٣/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٢) الأغاني ١٥/ ١١٣.
(٣) تاريخ دمشق ٩/ ٩٢٢ - ٩٢٣ (مخطوط)، والأغاني ١٣/ ٢٦٣ - ٢٦٤.