للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلْ تُعْطَه"، فقال عمر . فقلتُ: والله لأَغدُونَّ عليه ولأُبَشِّرنّه، قال فغدوتُ إليه، فإذا أبو بكر قد سَبقني إليه فبَشَّره، لا والله، ما سابَقتُه إلى خيرٍ قط إلَّا سَبقني إليه (١).

وأقبل ابنُ مسعود ذات يومٍ وعمر رضوان الله عليه جالس، فقال: كُنَيفٌ مُلِئ عِلمًا.

قال الشعبي: ذكروا أن عمر بن الخطاب لَقي رَكبًا في سَفر له، فيهم عبد الله بنُ مسعود، فأمر عمر رجلًا يُناديهم: من أين القوم؟ فأجابه عبد الله: أقبلْنا من الفَجِّ العَميق، قال: فأين تُريدون؟ قال عبد الله: البيتَ العَتيق، فقال عمر: إن فيهم عالمًا، ثم أمر رجلًا فناداهم: أيُّ القرآن أعظم؟ فأجابه عبد الله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] حتَّى ختم الآية، قال: فناداهم: أيُّ القرآن أحكم؟ فقال ابن مسعود: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ الآية [النحل: ٩٠]، فقال عمر: نادِهم، أيُّ القرآن أجمع؟ فقال ابن مسعود: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (٧)﴾ الآية [الزلزلة: ٧]، فقال عمر: نادهم؛ أيُّ القرآن أخوف؟ فقال ابن مسعود: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ الآية [النساء: ١٢٣]، فقال عمر: نادهم؛ أيُّ القرآن أرجى؟ فقال ابن مسعود: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣]، فقال عمر: نادهم، أفيكم ابنُ مسعود؟ قالوا: اللَّهمَّ نعم.

سُئل علي رضوان الله عليه عن ابن مسعود ، فقال: انتهى إليه علمُ القُرآن والسُّنَّة.

قال أبو الأحوص: شهدتُ أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود أحدُهما يقول لصاحبه: أتُراه تَرك مثلَه؟ قال: إن قلتَ ذلك، إن كان لَيُؤذَن له إذا حُجِبنا، وَيشهَدُ إذا غِبْنا.

كان أبو موسى يقول: لا تَسألوني عن شيءٍ ما دام هذا الحَبْر فيكم، يعني ابنَ مسعود.

قال مَسروق: انتهى عِلم الصّحابة إلى ستَّةِ نَفر: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي بن كعب، وأبي الدَّرداء، يزيد بن ثابت، ثم انتهى علم هؤلاء إلى رجلين: علي وعبد الله.


(١) أخرجه أحمد (١٧٥).