للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عبد الله بن مسعود : قال لي النَّبيُّ : "اقرأ عليَّ"، فقلتُ: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: "نعم، إنِّي أُحبُّ أن أسمعَه من غيري"، قال: فقرأتُ سورةَ النساء، حتَّى أتيتُ هذه الآية ﴿فَكَيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)﴾، قال: "حَسْبُك الآن"، فالتفتُّ فإذا عيناه تَذرِفان (١).

قال شقيق بن سَلَمة: خَطَبنا ابنُ مسعود فقال: على قراءةِ مَن تأمرونني أن أقرأ؟! والله لقد أخذتُ من في رسول الله بضعًا وسبعين سورة، ولقد علم أصحابُ محمد أني من أعلمِهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم، ولو أَعلمُ أن أحدًا أعلمُ مني لرحلتُ إليه، قال شقيق: فجلستُ في حِلَقٍ من أصحاب رسول الله ، فلم أسمع أحدًا يَردُّ ذلك ولا يَعيبه.

قال مَسروق: قال عبد الله: والله الذي لا إله إلَّا هو، ما نزلتْ آية في كتاب الله إلَّا وأنا أعلم أين نَزلتْ، وفيم نَزلتْ، ولو أعلم أحدًا أعلمَ بكتاب الله مني تَنالُه المَطِي لأتيتُه.

كان عبد الله بن مسعود يصوم الاثنين والخميس، وكان يقول: إنِّي أختارُ الصلاةَ على الصوم؛ لأني إذا صُمتُ ضَعفتُ عن الصَّلاة.

قال عمرو بن مَيمون: اختلفتُ إلى ابن مسعود سنة ما سمعتُه يُحدِّثُ فيها عن رسول الله ، ولا يقولُ فيها: قال رسول الله ، إلَّا أنَّه حَدَّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله ، فعَلاه الكَربُ وأُرعِد، حتَّى رأيتُ العَرَقَ يَتَحدَّرُ عن جبهته، ثم قال: إن شاء الله تعالى.

قال مَسروق: قال رجل لعبد الله بن مسعود: ما أحبُّ أن أكونَ من أصحاب اليَمين، أحبُّ أن أكونَ من المقَرَّبين، فقال عبد الله: لكن ها هنا رجلٌ ودَّ أنَّه إذا مات لا يُبعَث، يعني نفسَه.

وقال: لو وقفتُ بين الجنة والنار، وقيل لي: اختر لاخترتُ أن أكونَ رَمادًا.

قال زيد بن وَهب: بكى عبد الله بن مسعود، حتَّى رأيتُه أخذ بكفّه من دُموعه فقال به هكذا.


(١) أخرجه البُخاريّ (٥٠٥٠)، ومسلم (٨٠٠).