مكاني لما عَنَّفتُك ولا عِبتُ عليك، ثم قال: أَنشُدُك الله، هل تعلم أن عُمر وَلّى المغيرة بنَ شُعبة البَصرة وليس هناك؟ قال: نعم، قال: فلِمَ أُلام أن وَلَّيتُ ابنَ عامر في شرفه وجُوده وقرابته؟ فقال عليّ رضوان الله عليه: إن عُمر كان إذا ولى واليًا فإنما يطأُ على صِماخِه إنْ بَلَغه عنه [حرف] وأنت لا تَفعلُ ذلك رِقَّة على أقربائك.
فقال عثمان رضوان الله عليه: ألست تَعلم أن عُمر وَلّى مُعاويةَ الشامَ خلافتَه كلّها؟ قال: نعم، [قال علي:] ألستَ تعلم أن مُعاوية كان أخوفَ لعمر من غُلامه يَرفَأ؟ قال: نعم، قال: فإن مُعاوية يَقتَطِع الأمورَ دونك، وَيبلُغُك فلا تُغَيِّر عليه ولا تُنكره، ويقول النَّاس: هذا أمرُ عثمان.
ثم قام عليّ رضوان الله عليه فخرج، وقام عثمان رضوان الله عليه فصَعِد المنبر وقال: إن لكلِّ شيءٍ آفة، وإن لكلِّ أمرٍ عاهة، وإن افةَ هذه الأمة عَيَّابون طَعَّانون، يُرونكم ما تُحبّون، ويُسِرُّون عنكم ما تكرهون، ألا وإنكم عِبْتُم عليَّ ما أقررتُم ابنَ الخطاب على مِثله، وإني أعزُّ ناصرًا منه، وأكثرُ عَددًا، وأمنعُ عَشيرةً، ولكنه وَطِئكم برِجله، وضربكم بيده، وقَمعَكم بلسانه، فَدِنْتُم له على ما أحبَبْتُم وكَرِهتُم، ووَليتُكم فأوْطَأتكم كَنَفي، وكفَفْتُ يدي ولساني عنكم فاجترأتُم عليّ، فإن كنتُ إمامًا فلِمَ يُعتَرضُ عليّ، أفعلُ ما أُريد في المال وغيره، فكُفّوا عني ألسنتنكم وطَعنكم على وُلاتكم.
فقام مروان بن الحكم فقال: إن شئتُم حَكَّمْنا بيننا وبينكم السيف، ونحن وإياكم كما قال القائل:[من الطَّويل]
فقال له عثمان رضوان الله عليه: اسكُت لا سكتَّ، دَعني وأصحابي، ما كلامُك في هذا، ألم أتقدَّمْ إليك أنك لا تَنطق بحَرف، فسكت مروان، ونزل عثمان رضوان الله عليه.
وحجّ عثمان رضوان الله عليه في هذه السنة، وحجّ معه أزواجُ رسول الله ﷺ -كما فعل عمر رضوان الله عليه، وجعل في مُقدّمة القطار عبد الرحمن بن أبي بكر ﵄، وفي مؤخرته سعيد بن زيد ﵁، وهي آخر حجَّة حَجّها عثمان رضوان الله عليه.