عليه رسول الله ﷺ والشيخان بعده، فانهضوا في الأمر فحرِّكوه، وابدؤوا بالطَّعن علي أمرائكم، وأظهِروا الأمرَ بالمعروف، والنّهيَ عن المنكر، تَستميلوا الناس، وبثّ الدُّعاة.
وكاتبَ الأمصارَ ممَّن كان قد استَفسدَهم فأجابوه، ودَعَوا في السّرِّ إلى ما دعا إليه، فأجابهم الناس، فقيل لعثمان: إن الأمصارَ قد فَسَدت عليك، وأخبروه الخبر، فقال: والله ما سمعتُ من هذا شيئًا، قالوا: بلى، فأرسِلْ رجالًا يَكشفوا لك الأمر، وَيرجعوا إليك بالأخبار، ويكونوا ممّن تَثقُ بهم.
فبعث بمحمد بن مَسلَمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعبد الله بن عمر إلى الشام، وعمار بن ياسر إلى مصر، فرجعوا جميعًا إلّا عمار بن ياسر، فإنه أقام بمصر، ولما رجع الرّسُل إلى عثمان استَبطؤوا عمار بن ياسر، فبينما هم كذلك إذ وَرد كتابُ عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح: إن عمارًا قد استماله قومٌ بمصر، وقد انقطعوا إليه، منهم: عبد الله بن السوداء، وخالد بن مُلْجَم، وسُودان بن حُمران وكنانة بن بِشْر.
وروى الواقدي عن أشياخه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قال: كتب عثمان إلى أهل الأمصار: أما بعد، فقد رُفع إليّ أن أقوامًا يُشَنّعون عليَّ وعلى أمرائي؛ بغَصْب الأموال، وظُلم العباد، وفِعل المنكرات، فمن ادَّعى شيئًا من ذلك فلْيُوافِني بالموسم، فليأخُذْ بحقِّه مني ومن عُمّالي، فإنه لا يُرفع عليّ ولا عليهم شيءٌ من ذلك إلا رَددتُه، وليس لي ولعُمَّالي حقٌّ قبل الرَّعيَّة، فإما أن أدفعَ إليهم ذلك، أو تَتصدّقوا فإن الله يَجزي المتصدِّقين. فلما قُرئ كتابُه على أهل الأمصار بَكَوا ودعوا له وقالوا: إن الأمّة لتَتَمخَّضُ بالشرّ.
ثم كتب إلى عُمَّاله فقدِموا عليه: عبد الله بن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد، وأدخلَ معهم في المشورة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص، فقال: ويحكم، ما هذه الشِّكايات والإذاعات، والله إني لخائف أن تكونوا مَصدوقًا عليكم، وما يُعصَب هذا إلا بي، فقالوا: قد رجع إليك الرُّسُل الذين بعثتَهم إلى الأمصار بخلاف ما أُذيع وأُشيع، وما هي إلا شَناعة.
قال: فأشيروا عليّ، فقال له سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع، يُعمَل في السّرّ، ثم يُلقى به غيرُ أهل المعرفة، فيُخبرون به، فيتحدَّثُ به الناسُ في مجالسهم، قال: فما