للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسابع: أنَّه ملك عظيم أضافه إلى نفسه تخصيصًا لينبّه به على عظمته وقدرته، قاله مقاتل بن حيَّان، قال: ومعناه أن خلقًا من خلقي يملأ السَّماوات والأرض فكيف تُقدر قدرتي وتُنال عظمتي.

قلت: والأصح أنَّه الكرسيُّ بعينه، وباقي الأقوال مجاز وعدولٌ عن الحقيقة، لأنَّ الأخبار والآثار دالَّة عليه.

قال أبو إسحاق الثعلبي بإسناده عن أبي ذرٍّ، قال قلت: يا رسول الله، أيُّما أُنزل عليك أعظم؟ قال: "آيةُ الكُرسيِّ" ثم قال رسول الله : "يا أبا ذرِّ، ما السَّماواتُ السَّبعُ في الكُرسيِّ إلّا كحَلْقةٍ ملقاةٍ في أرضٍ فلاةٍ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" (١).

وروي عن علي (٢) أنه قال: الكرسيُّ من لؤلؤة بيضاء، وهو فوق السماء السابعة بمسيرة خمس مئة عام، وطول كلِّ قائمة منه مثل السماوات السبع والأرضين السبع، وهو بين يدي العرش، ويحمل الكرسيَّ أربعة أملاك، أقدامهم على الصخرة التي تحت الأرض السابعة.

وأمَّا ما ذكروه من معنى العلم والقدرة ونحو ذلك، فالعرب لا تعرف الكرسيَّ بمعنى العلم والقدرة والمُلك والأهل، وما استشهدوا به فشاذٌّ لا يعرَّج عليه.

وأمَّا العرش، فقال الجوهري: العرش سرير الملِك (٣). وقال الزجَّاج: سرير الملك يسمّى عرشًا، وأنشد قول أميَّة بنِ أبي الصَّلت (٤):

مجِّدوا الله فَهْو للمجدِ أهلٌ … ربُّنا في السماء أمسى كَبيرا

بالبناء الأعلى الذي لسَبَق النَّا … س وسوَّى فوقَ السَّماء سَريرا

أي: عرشًا.


(١) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٣٦١).
(٢) في النسخ: "جبريل" والمثبت من "كنز الدرر" ١/ ٦٤، وانظر تفسير القرطبي ٣/ ٢٧٦.
(٣) "الصحاح": (عرش).
(٤) البيتان في ديوانه ص ٣٩٩ - ٤٠٠.