للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحسن البصري: العرش هو الكرسي بعينه (١).

وليس كما ذكر، لأنّ الله تعالى فرَّق بينهما فقال: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، ثم قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤] وذكر العرش في عدَّة مواضع.

وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: العرش بعد الكرسي، والعرش من ياقوتة حمراء، وتحته بحر تنزل منه أرزاق الحيوانات، يوحي الله إليه فيقطر ما شاء، ثم يقسم بين الخلائق، وبين حملة العرش وحملة الكرسيِّ لسبعون حجابًا من نور، غلظ كلِّ حجابٍ مسيرة خمس مئة سمنة، ولولا ذلك لاحترق حملة الكرسي من نور [حَمَلةِ] العرش.

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: للعرش ثلاث مئة وستون ألف برج، في كل برج ثلاث مئة ألف صف من الملائكة، لا يعلم محددهم إلا الله تعالى، يسبِّح كل واحد منهم بلسان لا يعرفه الآخر.

فإن قيل: فما الحكمة من خلق العرش، والله أعظم من كل عظيم؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه موضعُ خدمة الملائكة، فهم حافُّون به إلى يوم القيامة كما قال الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] فهو كبابِ الملِك.

والثاني: لأنَّ الله جعله قبلةَ الدَّاعين، وملجأ المكروبين، ومفزع الخائفين، وحرم القاصدين، وجناب اللائذين.

والثالث: لأنه سقف الجنان، وتأوي إليه أرواح الشهداء في قناديل من ذهب معلَّقةٍ فيه، على ما ورد به الحديث الصحيح (٢).

والرابع: لأنَّ الله جعله معدن الستر واللطف، فروى عطاء عن ابن عباس قال:


(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠.
(٢) أخرجه مسلم (١٨٨٧) عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)﴾ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا، قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يارب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا".