للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن سعد بإسناده عن أبي ليلى الكِندي قال: شهدتُ عثمان وهه محصور، فاطَّلع من كَوٍّ وهو يقول: أيها الناس، لا تَقتلوني واستتيبوني، فوالله لئن قتلتُموني لا تُصلُّون جميعًا أبدًا، ولا تجاهدون عدوًا جميعًا أبدًا، ولتَختَلفُنّ حتى تَصيروا هكذا، وشبَّك بين أصابعه، ثم قال: ﴿وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ﴾ الآية [هود: ٩٠]، ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكفَّ الكفَّ، فإنه أبلغُ لك في الحُجَّة.

وفي رواية أنه قال: والله لئن قَتلتُموني لا تَضعون السَّيفَ عن أعناقكم أبدًا إلى يوم القيامة، فقالوا: أمّا ما ذكرتَ مما يُصيبنُا من البلاء، فإنه لا يحلُّ تَركُ إقامةِ الحقِّ مخافةَ الفتنة في المستقبل، وأما قولك: فإنه لا يَحلُّ قتلُ غير الثلاثة الذين ذكرتَهم، فقتلُ السَّاعي بالفساد في الأرض، والباغي، ومَن حال بين الحقِّ وأهله واجبٌ، وقد بغيتَ، ومنعتَ الحقَّ، وكابرتَ، فلو خلعتَ نفسَك لانصرفنا عنك (١).

ذكر من كان يصلي بالناس وعثمان محصور:

واختلفوا في ذلك:

أخرج البخاري عن عُبيد الله بن عديّ بن الخيار، أنه دخل على عثمان وهو محصور، فقال له: إنك إمامُ العامَّة، وقد نزل بك ما ترى، وإنه يُصلّي بنا إمامُ فتنة، وأنا أتحرَّجُ من الصلاة معه؟ فقال عثمان: إن الصلاة من أحسن ما يَصنَعُ الناس، فإذا أحسن الناسُ فأحسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنِبْ إساءَتَهم (٢).

وإنما قال ابنُ الخيار هذا لأنه أقام القومُ على الصلاة الغافقيَّ، وقيل ابن عُدَيس، وقيل كِنانة بن بشر.

وروى ابن إسحاق عن أشياخه قال: وأشرف عثمان وهو محصور فقال: أين عبد الله بن عباس؟ فأجابه، فقال: اذهب على الموسم فحُجَّ بالناس، فقال: يا أمير المؤمنين، الجهاد في هؤلاء أحبُّ إليّ، فأقْسم عليه، ثم قال عثمان: ليُصَلِّ بالناس الجمعة والعيد


(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٦٧.
(٢) صحيح البخاري (٦٩٥).