للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في معاوية، ليعلموا بذلك رأيَه في قتال أهلِ القبلة؛ هل يَجسُر عليه أو يَنكُل عنه، وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه، وخلى [به]، ودعاه إلى القُعود وتركِ الناس، فدسُّوا إليه زياد بنَ حَنظلة التميميّ -وكان منقطعًا إلى علي- فدخل عليه، فقال له علي: يا زياد، تجهَّز؟ قال: إلى أين؟ قال: إلى غزو أهلِ الشام، فقال زياد: الأناةَ الأناةَ، والرِّفقَ الرِّفق، فخرج زياد على الناس وهم يَنتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: السيف، فعرفوا ما هو فاعل.

ذكر تجهّز أمير المؤمنين إلى الشام

قال سيف: وأخذ في المسير إلى الشام، وعبَّأ جيوشَه، فجعل على مُقدّمته أبا ليلى بن عمر بن الجرَّاح، ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح، وعلى الميمنة عبد الله بن عباس، وعلى الميسرة عُمر بن أبي سلمة، ومعه عمرو بن سفيان بن عبد الأسد (١)، ودفع لواءه إلى محمد بن الحنفية، واستخلف على المدينة قُثَم بن العباس، ولم يُولِّ أحدًا ممن خرج على عثمان شيئًا، وكتب إلى أبي موسى وعثمان بن حنيف أن يَندُبا أهلَ العراق إلى غزو أهل الشام، وكتب إلى [قيس بن] سعد بن عُبادة بمثل ذلك.

وأقبل على أخذ العُدَّة، ثم خطب أهلَ المدينة، ودعاهم إلى قتال أهل القِبلة (٢)، وقال في خطبته: انهضوا إلى قتال هؤلاء الذين يُريدون تفريقَ جَماعتِكم، وتبديدَ كلمتِكم، لعلّ الله أن يُصلح بكم ما أفسد أهلُ الآفاق، أو تَقضوا الذي عليكم.

فبينما هم على ذلك إذ جاءه الخَبَر باجتماع طلحة والزبير بعائشة على نحوٍ آخر، فثنى عَزمَه عن المسير إلى الشام، وعزم على المسير إلى مكة، ثم خطب فقال: أيّها الناس، إن الله جعل لظالم هذه الأمة العَفوَ والمغفرة، وجعل لمن لَزِم الأمرَ واستقام الفوزَ والنّجاة، ألا وإن طلحة والزبير وعائشة قد تمالؤوا عليَّ وسخطوا إمارتي، وسأصبر ما لم أَخَفْ على جماعتكم، وأكفّ إن كَفّوا، وأقتصر على ما بَلغني عنهم.

ثم أتاه الخبر أنهم يُريدون البصرة للإصلاح بين الناس.


(١) في الطبري ٤/ ٤٤٥، والمنتظم ٥/ ٧٨: عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد.
(٢) في الطبري ٤/ ٤٤٥، ومطبوع المنتظم ٥/ ٧٨: أهل الفرقة، والمثبت موافق لما في أصل المنتظم.