قال هشام: فقام خطيبًا وقال: أيها الناس إن طلحةَ والزّبير خرجا يَجُرّان حُرمةَ رسول الله ﷺ كما تُجَرُّ الأمَةُ عند شرائها، وحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيسَ الله وحبيسَ رسوله، وما مثهما إلا مَن أعطاني الطاعة، وسألني البيعةَ طائعًا غيرَ مُكره، فتهيّؤوا للمسير إليهم، ثم نزل.
قال سيف: فثَقُل ذلك على أهل المدينة وتثاقلوا، وقالوا: لا ندري كيف نَصنع، وإنه أمرٌ مشتبه، ونحن مُقيمون حتى يُضيء لنا، فبعث كُميل بن زياد إلى عبد الله بن عمر، فجاء فقال له: انهض معي لقتال هؤلاء القوم، قال: إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرج أهلُها خرجْتُ، وإن قَعدوا قعدتُ، فقال له علي: أعطِني زعيمًا بأنك لا تخرج، فقال: لا أعطيك زعيمًا، فقال علي: أنا أعرفُ الناس بك.
ثم خرج عبد الله من تحت ليلته، وأخبر أمّ كلثوم بنت علي أنه خرج مُعتمرًا، مقيمًا على الطاعة، وكان صدوقًا.
وأصبح علي فأُخبر بخروجه، وقيل له: خُروجه أشدُّ عليك من معاوية وطلحة والزبير، وأنه قد ذهب إلى الشام، فبَثّ علي في طَلَبه الرجال والخيلَ، وماجت المدينة، فجاءت أمّ كلثوم إلى أبيها وقالت: ما لك وللرجل؟ إن الأمر على خلاف ما بلَغك، ما خرج إلَّا مُعتمرًا، وأنا ضامِنَتُه، فطابت نفسُه فقال: إنه عندي ثِقةٌ صَدوق.
ذكر اجتماع طلحة والزبير وعائشة وبني أمية بمكة
قال علماء السير منهم سيف بن عمر، عن أشياخه، دخل حديثُ بعضهم في حديث بعض قالوا: لما قُتل عثمان وقل أن يُبايَع عليّ، هرب بنو أمية إلى مكة، وبويع علي لخمسٍ بقين من ذي الحجة -كذا وقعت هذه الرواية- وكانت عائشة مُقيمةً بمكة تُريد العُمرة في المحرَّم، فلما قضت عُمرتها، وخرجت تقصد المدينة، وانتهت إلى سَرِف، لقيَها رجلٌ من أخوالها من بني ليث؛ يقال له: عُبيد بن أبي سلمة، فقالت له: مَهْيَمْ؟ فهَمْهَمَ ودَمْدَمَ، فقالت له: ويحك علينا أولنا؟ فقال: قُتل عثمان، وبقوا خمسة أيام بغير إمام، قالت: ثم ماذا؟ قال: اجتمع أهلُ المدينة على علي فبايعوه، فعادت إلى مكة وهي ساكتة.