وفي رواية سيف: فدخلت المسجد، وقصدت الحِجر، فتستّرت فيه، واجتمع إليها الناس، فقالت: أيها الناس، إن الغَوغاء من أهل الأمصار، وأعراب أهل المياه، وعَبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالأمس ظُلمًا، فبادَروه بالعدوان، فسَفكوا الدم الحرام، واستَحلُّوا الشهرَ الحرام والبلد الحرام، وأخذوا المال الحرام، فاجتماعُكم عليهم يُنَكّل بهم غيرَهم، ويُشرِّدُ بهم مَن خَلفهم.
وفي رواية سيف أيضًا أنها لما رجعت قال لها عبد الله بن عامر الحضرمي: ما رَدَّك يا أم المؤمنين؟ وكان عبد الله عامل عثمان على مكة، فقالت: رَدَّني أن عثمان قُتل مَظلومًا، وأن أمر الأمة لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمرٌ، فاطلبوا بدم عثمان تُعِزُّوا الإسلام، فكان أول مَن أجابها عبد الله بن عامر، وذلك أوّل ما تكلّمتْ بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم.
وروى الطبري بإسناده عن عبيد الله بن عمرو القُرشي قال: خرجت عائشة وعثمان محصور إلى مكة، فقدم مكة رجلٌ يُقال له: أخضر، فقالت له عائشة: ما صنع الناس؟ قال: قتل عثمان المصريين، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيُقتلُ قومٌ جاؤوا يَطلبون الحقّ ويُنكرون الظلم، والله لا نرضى بهذا.
ثم قدم آخر فقالت: ما صنع الناس؟ فقال: قتل المصريون عثمان، فقالت: عجبًا للأخضر، زعم أن المقتول هو القاتل، فكان يُضرب به المثل فيقال: أكذبُ من الأخضر (١).
وقال سيف بن عمر بإسناده: الذي لقي عائشة في الطريق عُبيد بن أمِّ كلاب، فقالت: مَهْيَم، قال: قتلوا عثمان، قالت: ثم ماذا؟ قال: واجتمع الناس على علي، فقالت: بِفيك الحَجَر، والله وَدِدْتُ أن هذه انطبقت على هذه، يعني السماء على الأرض، ولا وَلي علي، رُدّوني، والله لأطلُبنّ بدم المظلوم عثمان، فقال لها عُبيد: فأنت والله أول مَن حَرَّض الناسَ على قتله، ألستِ القائلة: اقتلوا نَعثَلًا فقد كفر؟ فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، فأنشد عبيد:[من المتقارب]