قالت لهم عائشة: اخرجوا إلى المدينة، فرَدُّوها إلى البصرة، وقال لها طلحة والزبير: كيف نأتي أرضًا قد صارت لعلي؟! وله في رقابنا بَيعةٌ، فيحتجُّ علينا بذلك، ونحن في ست مئة بعير، ولا تقدرون على قتال الغَوغاء والأعراب والعَبيد، وقد افتَرَشوا أذرِعَتَهم مُستعدّين لأول واعِية.
فسارت إلى البصرة، وأمَّرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتّاب بن أَسِيد، فكان يصلِّي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قُتِل، وخرج جميعُ بني أمية إلا مَن خَشَع.
وحكى الطبري عن أبي كثير، عن ابن عباس قال: خرج أهل الجَمل في ست مئة، معهم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (١) وعبد الله بن صفوان الجُمَحي، فلما جاوزوا بئرَ مَيمون إذا بجَزورٍ قد نُحِرت ونَحرُها يَثعَبُ دمًا، فتطيَّروا من ذلك، وأذَّن مروان بن الحكم -وهو كان المؤذّن- حين فَصَلوا من مكة، فلما أذَّنَ عند بئر ميمون جاء فوقف على طلحة والزبير فقال: على أيّكما أُسَلّم بالإمرة وأُؤذّن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله، يعني أباه، وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد يعني أباه، وبلغ عائشة فأرسلت إلى مروان: مالك يا مروان؟ أتُريد أن تُفرِّقَ أمرَنا؟ ليُصلِّ ابنُ أختي، فكان يُصلّي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدموا البصرة.
وحكى سيف بإسناده عن محمد وطلحة قالا: لقي طلحة والزبير عبد الله بن عمر بمكة، فدعواه إلى الخروج معهم، فقال لهم: إني امرؤ من أهل المدينة، وقد زعمتم أنكم خرجتم في الطَّلب بدم عثمان، وقتل قَتَلَته، وما قتله إلا مَن أشار بقَتله، وهي زعيمتكم ورئيستكم، وأخوها الذي أخذ بلحيته، فهزّها حتى صارت أضراسُه تتقَلْقَل، وضربه بالمِشقَص فقتله، أما تخافون الله أيّها القوم، وتَدَعون هذه الأباطيل عنكم؟! وكيف أضرب في وجه علي بن أبي طالب بالسيف وقد عرفتُ فضلَه وسابقتَه ومَكانتَه من رسول الله ﷺ؟! وإنكما بايعتُما وسألتُماه القيامَ بهذا الأمر، ثم نَكثتُما ونقضتُما عهدَه بعدما جعل الله عليكما شهيدًا، وإنه ما بدَّلَ ولا غيَّر، ولا حلّ ولا عقد، ولا حال عن سنة رسول الله ﷺ، ولا عمل عملًا يُخالف كتابَ الله، ولكنكم أيها القوم أطعنتم