فضرب رجلٌ من أصحاب طلحة رِجْلَ حكيم فأطنَّها، فحَبا حتى أخذها، ورمى بها نحو الرجل الذي قطعها فأصاب عينيه، ثم أتاه حكيم فقتله وقال:[من مجزوء الرجز]
يا فَخْذلن تُراعي
إنّ معي ذِراعي
ثم وقع، فمرَّ به رجل وهو رَثيث، ورأسُه على آخره، فقال: ما لك يا حكيم؟ فقال: قتلتُ، فاحتمله وضمَّه في سبعين من أصحابه، فتكلّم يومئذٍ، وإن السيوف لتَأخُذُه وهو قائمٌ على رِجلٍ واحدة ما يتتعتع، وأشار إلى طلحة والزبير: إنا خلَّفنا هذين، وقد بايعا أميرَ المؤمنين وأعطياه الطاعة، ثم أقبلا مُخالفَين محاربَين، يطلبان دمَ عثمان، فناداه مُنادٍ: يا حكيم، جَزِعتَ حين عَضَّك نَكالُ الله أنت وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم، وفرَّقتم الجماعة، وأصبتُم الدِّماء، وذكر كلامًا طويلًا.
وقُتل ذَريح ومَن معه، وأفلت حُرقوص بنُ زهير في نفرٍ من أصحابه، فلجؤوا إلى قومهم بني سعد فحمَوْهم، ونادى مُنادي طلحة والزبير: ألا مَن كان فيهم من قبائلهم من غزا عثمان بالمدينة فليأتِنا بهم، فجيءَ بهم فقُتلوا، ولم يُفلت من القوم إلا حُرقوص؛ منعه بنو سعد، فطُلب منهم فغضبوا، وغضبت عبدُ القيس حين غضب بنو سعد لمن قُتل منهم بعد الوَقعة، مَن كان لَجأ إليهم مع طاعتهم لأمير المؤمنين.
وقال هشام: كان حُكيم بن جَبَلة من ربيعة، وكان شجاعًا يحمل على القوم ويقول: وَيحك يا زبير ويا طلحة، صُنتُما نساءكما في الخدور، وأبرزتُما عِرسَ رسول الله للحرب والحرور؟!
ولما قُتل عَزَّ قتلُه على عبد القيس وبني سعد، فخرجوا من البصرة في ستّة آلاف ينتظرون قُدوم علي ﵇. ولما قَتل طلحة والزبير الغوغاء ممن اتّهموه بقتل عثمان، خرج الباقون مع بني سعد وعبد قيس، فقعدوا على طريق العراق للقاء أمير المؤمنين.