وقال الحسن: إني غادٍ، فمَن شاء منكم أن يَخرج معي على الظَّهر، ومَن شاء في الماء، فنفر معه تسعةُ آلاف، أخذ بعضهما البرّ، وأخذ بعضهم الماء، ففي البرّ ستة آلاف ومئتان، وأخذ الماء ألفان وثمان مئة.
قلت: وقد أخرج البخاري طرفًا من هذا عن شقيق قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، بعث علي عمارًا وحسنًا فقدما الكوفة، فصعدا المنبر، فكان الحسن في أعلاه وعمار في أسفله، فاجتمع الناس إليهما، فقال عمار: أما بعد، فإن عائشة قد صارت إلى البصرة، ووالله إنها زوجةُ نبيكم … وذكره، وقال: ليَنظر إياه تُطيعون أم هي (١).
وفي رواية الطبري عن بعض أهل العلم: أن الأشتر قال لأمير المؤمنين: إنك قد بعثتَ إلى أهل الكوفة قبل هذين رجالًا، فلم أرَهم أبرموا وأحكموا أمرًا، فإن رأيتَ أن تُتبعني في إثرهم، فإن أهل المِصر أحسنُ شيءٍ لي طاعة، ولو قَدمتُ عليهم رجوتُ أن لا يُخالفني منهم أحدٌ، فقال علي: الحق بهم.
فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة، فجعل لا يمرُّ بقبيلة إلا ويقول: اتّبعوني إلى القصر، وكان أبو موسى قائمًا يخطب، يُثبِّط الناس عن علي ويقول: أيها الناس، إنها فتنة عمياء صمّاء، وذكر بمثل ما تقدّم، وعمار ينهاه، والحسن يقول له: اعتزل عملَنا، وتَنحَّ عن منبرنا لا أُمَّ لك.
قال نُعَيم عن أبي مريم الثقفي: والله إني في المسجد يومئذٍ، وعمار يُخاطب أبا موسى ويقول له: أنتَ سمعتَ رسول الله ﷺ يقول: "إن هذه فتنة عمياء صمّاء، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب؟ " قال: نعم، إذ خرج علينا غِلمانٌ لأبي موسى يشتدّون يُنادون: يا أبا موسى، هذا الأشتر قد دخل القصر، فنزل وأتى إلى القصر، فقال له
(١) أخرجه البخاري بهذا السياق (٧١٠٠) من رواية أبي مريم عبد الله بن زياد الأسدي، عن عمار، به. أما رواية شقيق فأخرجها البخاري (٣٧٧٢) و (٧١٠١) مختصرة، وانظر مسند أحمد (١٨٣٣١).