وكلامهما، فأرسلت إليهما فحضرا، فقال لهما: إني سألتُ أم المؤمنين ما الذي أقدمها إلى هذه البلاد، فقالت: الإصلاحُ بين الناس، فما تقولان أنتما؟ قالا: ونحن نقول كذلك، قال: فأخبراني ما وَجْهُ الإصلاح؟ قالا: قَتَلةُ عثمان، فإن عَمِل به كان إحياءً للقرآن، وإن لم يَعمل به كان تارِكًا له، قال: قد قتلتُما قَتَلةَ عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقربُ إلى الاستقامة منكم اليوم؛ حين قتلتُم ست مئة إلا رجلًا -يعني حُرقوص- فغضب له ستة آلاف، واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهُركم، وطلبتم ذاك الذي أفلت، يعني حُرقوص، فمنعه ستة آلاف، وهم على رجل واحد، فإن تركتموهم كنتم تاركين لما تقولون … وذكر كلامًا في هذا المعنى.
فقالت عائشة: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول: إن هذا الأمر دواؤه التَّسكين، فإذا سَكن اختُلجوا -يعني قتلة عثمان- فإن أنتم بايعتمونا فعَلامةُ خير، وتباشير رحمة، ودَرْكُ ثأرِ هذا الرجل، وعافيةٌ وسلامة لهذه الأمة، وإن أبيتُم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامةُ شرّ، وذهابُ هذه الأمة، فاطلبوا العافيةَ تُرزَقوها، وكونوا مفاتيحَ خير، ولا تكونوا مفاتيح شرّ، ولا تتعرّضوا للبلاء وتعرّضونا له، فيَصرعنا وإياكم، وايمُ الله، إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائفٌ أن لا يَتمّ حتى يَأخذ الله حاجتَه من هذه الأمة.
فقالوا: نِعم ما قلتَ، فلقد أحسنتَ وأصبْتَ المقالة، فارجع إلى علي، فإن قَدِم على مثل رأيك صلَح هذا الأمر.
فعاد إلى أمير المؤمنين، وأخبره بما قال وقالوا، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك مَن كرهه، ورضيَه مَن رضيه.
وأقبلت وُفود البصرة نحو علي لما نزل بذي قار؛ وفد تميم وبكر قبل رجوع القعقاع، ليَنظروا ما رأيُ إخوانهم من أهل الكوفة، وعلى أيّ حالٍ نهضوا إليهم، لا يَخطر لهم قتالُهم على بال.
وروى الهيثم بن عدي، عن أشياخه قالوا: لما قدم علي ذا قار كتب إلى طلحة والزبير وعائشة كتابين، أحدهما إلى طلحة والزبير، والآخر إلى عائشة، فأما كتاب طلحة والزبير فنُسخته: