للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا ابن عباس، أخطأتَ السُّنة، دخلتَ علينا بغير إذنِنا، وجلستَ على وسادتنا بغير أمرنا! فقال لها: لو كنتِ في البيتِ الذي خَلَّفكِ رسول الله ما فعلنا ذلك إلا بإذنك وأمرك، إن أمير المؤمنين يَأمُرك بسرعةِ الأوبَةِ إلى دار قَرارك، فامتنعتْ، فقال: إنه أمير المؤمنين، وقد عرفتيه، فأجابت.

ثم جاءها أمير المؤمنين ومعه بنوه فقالت: أحبّ أن أكون معك أُجاهد عدوَّك، فقال: رُجوعُك إلى البيت الذي أمرك الله بالقَرار فيه أَولى.

وسألتْه في مروان وابن الزبير وبني أمية فأمنهم، وجهَّز معها أخاها عبد الرحمن في جماعة من شيوخ الصحابة، وبعث معها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة، وذوات الدّين من هَمْدان وعبد القيس، وأمرهنَّ بلُبس العَمائم وتَقَلّد السيوف، ثم قال لهن: لا تُعلمنها أنكن نِسوة، وتلثَّمن مثلَ الرجال، وكنَّ حولها من بعيد ولا تقرَبْنها.

وسارت على تلك الحال، فأقامت بمكة حتى حَجَّت، واجتمع إليها نساء أهل مكة يبكين وهي تبكي، وسُئلت عن مَسيرها فقالت: لقد أعطى علي فأكثر، ولكنه بعث معي رجالًا.

وبلغ النساء فأتينها، وكشفن عن وُجوههن، وعرَّفْنَها الحال، فسجدت وقالت: والله لا يَزداد ابنُ أبي طالب إلا كرمًا (١).

وروى سيف عن محمد وطلحة قالا: قصدت عائشة مكة، وانصرف مروان والأسود ابن [أبي] البَخْتَريّ من الطريق إلى المدينة، وقيل: إنه لحق بمعاوية، وقيل: إنه لم يرجع إلى المدينة حتى لحق بصفّين، وأقامت بمكة حتى حجّت، وعادت إلى المدينة.

وقال هشام: ولما دخلت على أم سلمة بكت، وبكت أمُّ سلمة، وجعلت تتذكر قولَها وتبكي.

وروى الخطيب بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه قال: ما ذكرت عائشة مَسيرها قط إلا بكت؛ حتى تَبُلَّ خمارها وتقول: ليتني كنتُ نسيًا مَنسِيًّا. قال سفيان: النَّسيُ المنسِيّ: الحَيضة الملقاة (٢).


(١) مروج الذهب ٤/ ٣٣٠ - ٣٣١، ٣٣٤ - ٣٣٥.
(٢) تاريخ بغداد ٩/ ١٨٥، والمنتظم ٥/ ٩٥.