للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاوَعَني أميرُ المؤمنين لحبسَك وأمثالك من أهل الظنَّة في مجلس لا تخرجون منه حتى تستقيم هذه الأمور.

فخرج جرير إلى قَرْقِيسياء، وكتب إلى معاوية، فكتب إليه يَأمره بالقدوم عليه، وخرج علي فعسكر بالنُّخَيلة، وقدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة.

وقال ابن إسحاق والواقدي: قال جرير للأشتر: ما يَمنعك من إتيانهم الآن؟ فقال الأشتر: بعد أن أفسَدْتَهم، والله ما أحسِبُك أتيتَهم إلا لِتَتَّخِذَ عندهم يدًا، والدليل عليه أنك تُخَوِّفُنا بكثرة جُموعهم. فخاف جرير مما استقبلَه به الأشتر، فخرج من الكوفة ليلًا في أُناسٍ من أهل بيته، فلحق بقَرْقِيسياء، وهي كُورةٌ من كُوَر الجزيرة.

وبلغ عليًّا فغضب، وأمر بإحراق دارِه، فخرج أبو زُرعة بن عمرو بن جرير فقال: إن كان إنسانٌ واحدٌ قد أجرم، فإن في هذه الدار أَناسيَّ كثيرًا لم يُجرِموا، فقال علي: أستغفر الله، ثم خرج.

وقال هشام، عن أبيه: وأمر أمير المؤمنين عبد الله بن الحر (١) أن يكتبَ جوابَ كتاب معاوية، فكتب إليه:

أما بعد: فقد أتاني كتابُ أمير (٢) ليس له بَصرٌ يَهديه، ولا قائدٌ يُرشِده، دعاه الهوى فأجابَه، وقادَه فاتَّبعه، زعمتَ أني خَذّلت عن عثمان، ولَعمري إني ما كنتُ إلا كواحدٍ من المهاجرين والأنصار، أُوردتُ كما أورِدوا، وأصدِرتُ كما أُصدروا.

وأما قولُك عن الشورى وأهلِ الشام، فمَن بالشام ممن يَصلح للخلافة؟ فإن سمَّيتَ واحدًا كذَّبك الله ورسولُه والمسلمون، وأما اعترافُك بسَوابقي؛ فلو استطعتَ دفعتَها، ولكنك عاجزٌ عن ذلك، ثم كتب في أسفل الكتاب: [من المتقارب]

مَعاويَ دعْ عنك ما لا يكونا … وقَتْلةَ عثمان إذ تَدَّعونا

أتاكم عليٌّ بأهل العراقِ … وأهلِ الحجاز فما تَصنعونا


(١) كذا، ولعله عبد الله بن الحارث أخو الأشتر.
(٢) في وقعة صفين ٥٧، والعقد ٤/ ٣٣٣: كتاب امرئ.