للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ناوله كتابًا من الوليد بن عُقبة بن أبي معيط، وكان نازلًا بالجزيرة على البَليخ؛ بقريةٍ يُقال لها: عين رومية، وقيل: عين أبي سنان، من أعمال الرقّة، وبها مات، ولم يشهد صفّين مع معاوية على ما قيل.

قال جرير: وكان في كتابه إلى معاوية: [من الطويل]

مُعاويَ إن الملك قد جُبَّ غارِبُه … وأنت بما في كفِّك اليوم صاحبُهْ

أتاك كتاب من عليٍّ بخُطَّةٍ … هي الفَصْلُ فاختر سِلْمَه أو تُحارِبُهْ

فإن كنتَ تَنوي أن تُجيبَ كتابَه … فقُبِّحَ مُمْليه وقُبِّحَ كاتِبُهْ

وإن كنتَ تَنوي تَرْكَ رَجْعِ جوابه … فأنت بأمرٍ لا محالةَ راكِبُهْ

من أبيات.

قال جرير: فلما قرأ معاوية كتاب أمير المؤمنين قال: ما ترى [ما] الناس فيه من النُّفْرَة؟! أقم حتى يَسكنوا، فأقمتُ عنده أربعةَ أشهر، فبينما أنا عنده إذ وَرَد كتابٌ آخر من الوليد بن عُقبة يقول: [من الوافر]

ألا أبلغْ معاويةَ بنَ حَرْبٍ … بأنّي في الكُفاةِ له مُليمُ

قطعت الدهر كالشَّذَبِ المعَنّى … تُهدِّر في دمشق وما تَريمُ (١)

من أبيات.

قال الجوهري: الشَّذَبةُ بالتحريك: ما يُقطع مما تَفَرّق من أغصان الشجر ولم يكن في لُبِّه (٢).

قال جرير: فلما وقف معاوية على أبيات الوليد، وصل معاوية بين طُومارَين أبيضين وختمه، وكتب على عُنوانه: من معاوية إلى علي، ودفعه إليّ، وبعث معي رجلًا من عَبْس، فلما قَدِمنا الكوفة، ودخلنا على أمير المؤمنين في المسجد، فناولتُه الطُّومار، ففتحه فلم يجدوا فيه شيئًا، وقام العبسيّ وقال: لقد تركتُ أكثر من خمسين ألف شيخ حول قميص عثمان، خاضبي لحاهم بدموعهم [يبكون] على عثمان، مُتعاقِدِين


(١) تاريخ الطبري ٤/ ٥٦٤، وأنساب الأشراف ٢/ ٢٠٢.
(٢) صحاح الجوهري: (شذب).