مُتعاهِدين ليَقتُلُنّ قَتَلةَ عثمان، وبالله أُقسم ليُصَبّحنكم خمسون ألف عَنان، فصاح الأشتر والناس: اقتلوا الفاسق رسولَ الفاسق، فوالله ما نُبالي بخيلك ولا شيوخك، وسيعلمُ ابنُ هند، وثار الناس ليَقتلوه فهرب فلا يُدرى أين ذهب، فحينئذٍ خرج أمير المؤمنين إلى النخيلة.
وقال هشام: كتب أمير المؤمنين قبل رحيله من النُّخيلة إلى معاوية كتابًا يَتهدّده فيه، أبرَق فيه وأرعد، ووعد وأوعد، وخوَّف وهَدّد، ودعا بالأصبغ بن نُباتة التميمي فقال: اذهب به إليه.
قال الأصبغ: فدخلتُ على معاوية، وعن يمينه عمرو بن العاص، وعن يساره ذو الكلاع، وحوله عبد الله بن عامر بن كُريز، وأخوه عتبة بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وشُرَحبيل بن السّمط، وبين يديه أبو هريرة، والنعمان بن بشير، وأبو أمامة الباهلي.
قال: فناولته الكتاب، فقرأه وقال: إن عليًّا لا يَدفع إلينا قتلَةَ عثمان، قال: فقلت له: يا معاوية، لا تَتعلَّل بدم عثمان فإنك والله لا تَطلب إلا الملك، ولو أردتَ نُصرة عثمان حيًّا لفعلتَ، ولكنك تربَّصتَ به لما أرسل يَستصرخ بك، وأخفيتَ كتابَه، وتقاعدت عليه حتى قُتل؛ لتجدَ سبيلًا إلى ما في نفسك بقتله.
قال: فاستشاط غضبًا، فأردتُ أن أزيدَه فقلت: يا أبا هريرة، أنت صاحب رسول الله ﷺ، أُقسم عليك بالله الذي لا إله إلا هو، هل سمعتَ رسول الله ﷺ يقول:"مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه"؟ قال: إي والله، سمعتُه يقول ذلك يوم غدير خُمّ، قال: فقلت: فأنت يا أبا هريرة واليتَ عدوَّه وعاديتَ وَليّه، فتنفَّس أبو هريرة واسترجع، وقال معاوية: يا هذا كفَّ عن كلامك؛ فإنك لا تستطيع أن تَخدع أهلَ الشام عن الطلب بدم عثمان؛ فإنه قُتل مظلومًا في حرم رسول الله ﷺ، في شهر حرام، عند صاحبك، وهو الذي أغراهم به حتى قَتلوه، وهم اليوم معه: أنصاره وأعوانه، ويده ورجله، وما مثلُ عثمان مَن يُهدر دمُه.
قال ذو الكَلاع وحَوشب: لننَصُرنّك حتى تحصّل مُرادك أو نقتل عن آخرنا، فقام الأصبغ وهو يقول:[من المتقارب]