في جُندٍ من أهل الشام، فأرسلا إلى علي فأخبراه، فقال للأشتر: يا مالك، اذهب إليهما فأنت الأمير على الناس، وإياك أن تَبدأهم بقتالٍ حتى يَبدؤوك، واجعل على ميمنتك زيادًا، وعلى الميسرة شُريحًا، وأنا قادم عليكم، ولا تَدْنُ من القوم دُنُوَّ مَن يُريد أن يُنشب الحرب، ولا تتباعد عنهم، بل كن وَسطًا.
فسار الأشتر ففعل ما أُمر به. وقيل إنما بعث إليه الحارث بنَ جُهمان الجُعفي، فأمره بذلك.
وبعث علي إلى زياد وشُريح: إني قد أَمَّرتُ عليكما الأشتر أو مالكًا، فاسمعا له وأطيعا.
والتقى الأشتر وزياد وشُريح بأبي الأعور، فاتَّبع الأشتر ما أمره علي، وكفّ عن القتال، ولم يزالوا مُتواقِفَين، حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور، فثبتوا له، ثم انصرف أبو الأعور، فلما كان من الغد عاد أبو الأعور، فأرسل إليه الأشتر سنانَ بنَ مالك النَّخَعي يَطلب منه أن يُبارِزَه، فقال له سنان: فأنا أُبارزه، فقال: يا ابن أخي، إنك حَدَثُ السّنّ، وإن كنتَ من أهل الشَّرف والكفاءة، وإن الحَدَثَ لا يُبارز الكَهْل، ولكن اذهب إليه وادعُه إلى مُبارزتي.
فذهب سنان إلى أبي الأعور فقال: إن الأشتر يَدعوك إلى أن تُبارزَه، قال: فسكتَ عني طويلًا، فقال: إن خفّةَ الأشتر وسوءَ رأيه يُقبّح محاسِنَه، ومن خِفّته وسوءِ رأيه أنه سار إلى ابن عفان إلى دارِه وقراره، فكان في جُملة مَن قتله، فأصبح مَطلوبًا بدمه، لا حاجة لي في مُبارزته، قال: فقلتُ: إنك قد تكلَّمتَ فاسمع جوابَك، فقال: لا حاجةَ لي في سَماع كلامِك اذهب، قال: فانصرفتُ إلى الأشتر، فأخبرتُه فقال: لنفسه نظر.
وخرج هاشم بنُ عُتبة الزُّهري فاقتتلوا، وحمل عليهم الأشتر، فقُتل عبد الله بن المنذر التَّنوخي، قَتله ظَبيان بن عُمارة التميمي من أصحاب الأشتر وهو حَدَث، وكان عبد الله بن المنذر التَّنوخي فارسَ أهل الشام، وجعل الأشتر يقول: وَيحكم، أروني أبا الأعور، ووقفوا إلى الليل.
ثم انصرف أبو الأعور وأصحابُه تحت الليل، وصبَحهم علي من الغد، وساروا إلى صفّين، فوجدوا معاوية قد اشتَرف مكانًا على شاطئ الفرات سهلًا أَفيَح، قد اختاره قبل وُصول أمير المؤمنين، ليس في ذلك الموضع كلّه شَريعةٌ غيرها، وجعلها في