فقام فياض بن الحارث الأزدي فقال: يا معاوية، والله ما أنصفتَ القوم، لو كانوا من الروم لما جاز مَنعُهم من الماء، فكيف وهم أصحابُ رسول الله ﷺ، وفيهم ابنُ عمه والمهاجرون والبدريُّون والأنصار؟! وكان هذا الرجل صديقًا لعمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو: اكفِني صديقَك، فقام فياض وهو يقول: [من الوافر]
أتَحمون الفراتَ على أُناسٍ … وفي أيديهم الأَسلُ الظِّماءُ
وفي الأعناق أسيافٌ حِدادٌ … أن القوم عندكم نِساءُ
ألا لله دَرُّك يا ابنَ هندٍ … لقد ذهب الحياءُ فلا حَياءُ
ولستُ بتابع دينَ ابنِ هندٍ … طِوال الدَّهرِ ما أوفى حِراءُ
ثم عطف دابتَه ودخل في عسكر علي ﵇.
قال هشام: وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، أنموتُ عطشًا وسيوفنا على عواتقنا، ورماحُنا في أيدينا، ثم قال: [من المتقارب]
أيَمنعُنا القومُ ماءَ الفراتِ … وفينا الرِّماحُ وفينا الحَجَفْ
وفينا عليٌّ له صَولَةٌ … إذا خَوَّفوه الرَّدى لم يَخَفْ
ونحن الذين غداةَ الزبيرِ … وطلحةَ خُضنا غِمارَ التَّلَفْ
قال: وسمع أمير المؤمنين ليلةَ منعوهم الماء امرأة تقول: [من المتقارب]
أيَمنعُنا القومُ ماءَ الفراتِ … وفينا عليٌّ إمامُ الهُدى
وفينا الصلاةُ وفينا الصيامُ … وفينا المصَلُّون تحت الدُّجى (١)
فبكى علي وقال: لا ها الله إذن، ثم قال للأشتر وللأشعث بن قيس: عليكما بالقوم، فركبا في اثني عشر ألفًا في وقت السَّحَر، وحملوا على القوم، فأزالوهم عن الشرائع فانهزموا، ولحق الأشتر أبا الأعور فضربه على رأسه بالسيف، فجرحه جُرحًا موثقًا، وملك الأشتر الشّرائع ووَهن أهلُ الشام، وكان هذا القتال في آخر يوم من ذي القعدة، وهو أول يوم جرى فيه قتال، ويسمّى يوم الحَميَّة؛ لأن الحميَّةَ أدركت أميرَ المؤمنين لما سمع كلامَ المرأة.
(١) وقعة صفين ١٦٣ - ١٦٥، ومروج الذهب ٤/ ٣٤٦، وأنساب الأشراف ٢/ ٢٠٩.