وروى الطبري عن أبي مخنف قال: لما مَنعوا أصحابَ أمير المؤمنين الماء، بعث أميرُ المؤمنين صَعصعة بنَ صُوحان إلى معاوية، وقال: قُلْ له: إنا سِرْنا إليكم، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قَدَّمتَ إلينا خيلَك ورَجِلك، فقاتلتَنا قبل أن نُقاتِلَك، وبدأتَنا بالقتال، وكففنا عنك قبل أن نَدعوَك ونَحتجّ عليك، وهذه أُخرى قد فعلتَها؛ حُلتَ بين الناس وبين الماء، والناس غيرُ منتَهِين حتى يَشربوا، فابعث إلى أصحابك فليُخَلُّوا بينهم وبين الماء، ويكفُّوا حتى نَنظُرَ فيما قَدِمنا وقدمتُم له، وإن كان أعجبَ إليك أن تَترُكَ ما جئنا له، ونَترك الناس يَقتتلون على الماء حتى يكون الغالبُ هو الشارب فعلنا.
قال: فقال معاوية لأصحابه: ما تَرون؟ فقال الوليد بن عُقبة: امنعْهم الماء كما منعوه عثمان، حصروه أربعين صباحًا يَمنعونه بَرْدَ الماء، اقتلْهم عطشًا.
وقال له عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح: امنعهم الماء إلى الليل؛ فإنهم إن لم يَقدروا عليه رجعوا، فيكون رجوعهم ذُلًّا لهم.
قلت: وقول الطبري إن الوليد بن عُقبة وعبد الله بن سعد شهدا صفّين وَهم، فإن الواقدي قال: لم يشهداها.
قال: فقال له عمرو بن العاص: يا معاوية، خَلِّ بين القوم وبين الماء، فإن القوم لن يَعطشوا وأنت رَبّان.
فقال صَعصَعة بن صُوحان للوليد وابن أبي سرح: إنما يمنع الله الماءَ يوم القيامة مِثلكما؛ الكفَرةَ الفَسقةَ، فشتماه وشتمهما، فقال معاوية: كُفَّا عن الرجل فإنه رسول.
وقال هشام: قال عمرو لمعاوية: خلِّ بينهم وبين الماء، أترى ابن أبي طالب ومعه المهاجرون والأنصار وأفاعي العراق يَموتون عطشًا، والله لتطيرنَّ قحاف دون ذلك، فارض بالموادعة أيها الرجل، ولا تعجل بالشرّ فإن مَرتَعه وَخيم.
فقال معاوية: لا سقى الله أبا سفيان من حوض محمد قَطرة إن شربوا منه، وإن هذا لأوَّلُ الظَّفَر.