للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والملأ مَجموعٌ غدًا لمن غَلَبْ

أقول قولًا صادقًا غيرَ كَذِبْ

إنّ غدًا تَهلك أعلامُ العَربْ

وقد جرى بينهم أراجيز ومُناشدات عَدَّينا عليها خوفًا من الإطالة، واقتتلوا قتالًا شديدًا إلى الليل.

وقال هشام: وكان هذا اليوم من أعظم أيام صِفّين وأشدِّها، كان ابن عباس في الميمنة، والأشتر في الميسرة، وعلى القرّاء عمار وعبد الله بن بُدَيل، وعلى الرجّالة قيس بن سعد، وأمير المؤمنين في القلب ومعه بنوه والمهاجرون والأنصار.

وأقبل معاوية في جيوشه وترتيبه المتقدّم، وقد رفع قُبَّة عظيمة قد جعل عليها الكرابيس (١)، فحملت مَيمنة أمير المؤمنين على ميسرة معاوية وألجأتها إلى القُبَّة، وحمل معاوية وبيده سيفان، فحمل عليه عبد الله بن بُدَيل في ثلاث مئة من القرَّاء، وقصد قتلَ معاوية، فقتل حُمران مولى عثمان عبد الله بنَ بُدَيل، واستظهر أهل الشام على ميمنه أهل العراق، فلما رأي ذلك الأشتر صاح على ميمنة أهل العراق: إليَّ، فتراجعوا وعادوا إلى ما كانوا عليه.

قال أبو مخنف: وبايع أهل الشام معاوية على الموت، وداروا حول قُبَّته.

وقال عبد الله بن بديل قبل أن يُقتل لأصحابه: ألا إن معاوية ادَّعى ما ليس له، ونازع الأمرَ أهلَه، وحاول الباطل ليُدْحِضَ به الحق، ومال عليكم بالأعراب والأحزاب، وقد زَيّن لهم الضَّلالة، وزرع في قلوبهم حبَّ الفتنة، ولبَّس عليهم الأمر، وزادهم رِجسًا إلى رِجسهم، وأنتم على نور من ربكم، وهُدىً وبُرهان مُبين، فقاتلوا الطُّغاة الجُفاة.

وذكر كلامًا في هذا المعنى، ثم حمل على قُبَّة معاوية فقتلوه.

وقال أبو مخنف: كان النَّبْلُ في ذلك اليوم يمرُّ بين عيني (٢) أمير المؤمنين ومَنكبيه، وهو يأخذه بيده فيلقيه كذا وكذا، وربيعة تقيه بنفسها، فلا يصل إليه منه شيء، والأشتر


(١) نوع من الثياب.
(٢) كذا، والذي في الطبري ٥/ ١٩، والمنتظم ٥/ ١١٨: بين عاتقه ومنكبه، وهو الأشبه.