معاوية أكن بينك وبينه، فوالله لأَفتلَنّ لك حبلًا لا ينقطع وسَطُه، ولا ينتقض طرفاه، فقال علي: والله لأُعطينّه السيف حتَّى يغلبنّ الحقُّ الباطل، قال ابن عباس: أوَغير هذا؟ قال: وما هو؟ قال: تُطاع فلا تُعصى، وعن قليل تُعصى فلا تُطاع، فكان كما قال (١).
وجاء الأشعث بن قيس إلى علي ﵇، فاستأذنه في الذّهاب إلى معاوية يسأله عن رفع المصاحف، فأذن له، فأتاه فقال: يا معاوية، لأيّ شيءٍ رفعتم هذه المصاحف؟ فقال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به من كتابه، تبعثون رجلًا منكم ممن تَرضَون به، ونبعث رجلًا منا ممن نرضى به، ثم نأخذ عليهما العهود أن يَعملا بما في كتاب الله تعالى، ثم نتَّبع ما اتفقا عليه، فقال الأشعث: هذا هو الحق، ثم عاد إلى علي فأخبره، فقال الناس: قد رَضِينا وقبلنا، وقال أمير المؤمنين: خديعة ومَكيدة. هذه رواية أبي مِخنف.
وأما الواقدي وابن إسحاق وهشام بن محمد فإنهم رووا عن مشايخهم أنهم قالوا: لما أجاب أمير المؤمنين إلى حكم القرآن قام معاوية في أهل الشام فقال: أيها الناس، إن الحرب قد طالت بيننا وبين هؤلاء القوم، وإن كلَّ واحد منا يظنُّ أنَّه على الحق وصاحبه على الباطل، وإنا قد دعوناهم إلى كتاب الله والحكم به، فإن قَبلوه وإلا كنا قد أعذرْنا إليهم.
ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين: إن أول ما يُحاسب على هذا القتال أنا وأنت، وأنا أدعوك إلى حَقْن الدماء، واجتماع الناس والكلمة، واطِّراح الضغائن، وأن يحكم بيني وبينك القرآن.
فكتب إليه أمير المؤمنين: دعوتَ إلى حكم القرآن، وإني أعلمُ أنك لا تُحاول حكمَ القرآن، وقد أجبتُ القرآن إلى حكمه لا إيّاك، ومن لم يَرْضَ بحكم القرآن فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا.
قالوا: وكتب عمرو إلى أمير المؤمنين: أما بعد، فقد أنصف مَن جعل القرآن حكمًا، فصبْرًا أبا حسن؟ فإنا غيرُ مُنيليك إلا ما أنالك القرآن.