للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحك أما ترى الفتح؟ فقال: أقبل إليه فقد قالوا: إنا نفعل به كما فعلنا بابن عفّان.

فأقبل الأشتر إليهم وقال: يا أهل العراق، يا أهل الشِّقاق والنَّفاق، يا أهل الذُّلِّ والوَهَن، حين عَلَوتم القوم ظَهْرًا، وظَنّوا أنكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؛ وقد تركوا والله ما أنزل الله فيها، وسنَّةَ مَن أُنزلت عليه.

ويحكم، أمهلوني فُوَاقًا (١)؛ فإني قد أحسستُ بالفتح، قالوا: لا، قال: أَمهلوني عَدْوَ الفرس، قالوا: إذًا ندخك معك في خطيئتك، وجرت بينهم مُنازعات، قال: ويحكم، كيف بكم وقد قُتل خيارُكم وبقي أراذلُكم؟! فمتى كنتم مُحقّين؟ أخَير كنتم تقاتلون أم الآن خير، فما حال قتلاكم الَّذين لا تُنكرون فضلَهم؟ أفي الجنّة أم في النار؟ قالوا: قاتلناهم في الله، ونَدَعُ قتالهم في الله، فقال الأشتر: يا أصحاب الجِباه السُّود، كنا نظنُّ صلاتكم زهادةً في الدنيا، وشوقًا إلى الله، فلا أرى فِرارَكم إلا من الموت، فسَبُّوه وسَبَّهم، وضربوا وجه دابّته، وضرب وجوه دوابّهم بسَوْطه، فصاح بهم علي: كفُّوا فكفُّوا.

وكان الأشتر في ناحية المَيْمنة وقد أشرف على النَّصْر والظَّفَر، فامتنع من المجيء إلى عليّ، فقال له يزيد: ويحك، أينفعُك الظَّفَرُ هاهنا وأمير المؤمنين بين أعدائه يتهدَّدونه بالقتل.

وقال ابن إسحاق: رفعوا خمس مئة مصحف، فقال النجاشي بن الحارث: [من الطويل]

فأصبح أهلُ الشام قد رفعوا القَنا … عليها كتابُ الله خيرُ قُرانِ

ونادَوا عليًّا يا ابنَ عمِّ محمدٍ … أما تتَّقي أن يَهلك الثَّقَلانِ (٢)

ثم قال أمير المؤمنين: واعجبًا، يُطاع معاوية وأُعصى أنا، لله دَرُّ ابنِ عبّاس فإنه ينظر إلى الغيب من سِترٍ رقيق.

قال ابن الكلبي: كان ابن عباس قد قال لأمير المؤمنين في أول الأمر: ابعثني إلى


(١) الفُواق: ما بين الحَلْبَتَيْنِ من الوقت، ويعني به هنا وقتًا قصيرًا.
(٢) مروج الذهب ٤/ ٣٧٨، ووقعة صفين ٥٢٥.