للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين، نحن لك اليوم على ما نحن عليه -أو على ما كنّا عليه لك أمس- غير أن الرَّأي إن رأيتَ إجابة القوم إلى كتاب الله حكمًا.

وأما عديّ بن حاتم وعمرو بن الحَمِق فلم يريا ذلك، ولم يُشيرا على عليٍّ به.

رجع الحديث إلى أبي مِخْنف قال: قال عليّ لما رُفعت المصاحف وقال أصحابُه: نُجيبُ إلى كتاب الله: يا عباد الله، امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوَّكم، فإن معاوية وعمرو بنَ العاص وابنَ أبي مُعَيط وحَبيب بنَ مَسْلَمة وابنَ أبي سَرْح والضَّحّاك بن قيس ليسوا لأصحاب دِينٍ ولا قرآن، أنا أعرفُ بهم منكم، قد صحبتُهم أطفالًا ورجالًا؛ فكانوا شرّ أطفال وشرَّ رجال، ويحكم والله ما رفعوها أنهم يعلمون ما فيها، وإنما هو مَكرٌ وخديعة، ووهن (١) ومَكيدة، فقالوا: ما يَسَعُنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنتأبّى عليه، وإنما نقاتلهم ليَدينوا بحكم الكتاب (٢).

وكان أشدَّهم عليه الأشعث بن قيس لعزله إياه عن أرمينية، فنهاهم أمير المؤمنين فما انتَهوا، وناداه مِسْعَر بن فَدَكيّ التّميمي وزيد بن حُصَين الطّائي ثم السِّنْبِسيّ في عصابة من القُرَّاء الذين صاروا خوارج بعد؛ منهم ابن الكَوّاء: يا عليّ، أجب إلى كتاب الله إذْ دُعيتَ، وإلا ندفعك برُمَّتك إلى القوم، أو نفعل بك كما فعلنا بعثمان، أو بابن عفّان. قال: احفظوا مقالتكم هذه، فإن أطعتموني فقاتلوا، وإن عصيتموني فاصنَعوا ما بدا لكم، فقالوا: فابعث إلى الأشتر فليأتك.

قال: فأرسل علي إلى الأشتر يزيد بن هانئ السَّبيعي: أن أئتِني، فأتاه فقال: ائت أميرَ المؤمنين، فقال: قل له: قد لاح الفتحُ فلا تعجلْني، وليست هذه الساعة التي ينبغي أن آتيك فيها، ولا تُزِلْني عن موقفي، فرجع يزيد إلى علي فأخبره، فارتفعت الأصوات من قِبل الأشتر، فقال القوم: والله ما نراك أمرتَه إلا بالقتال، فقال: رأيتموني سارَرْتُه؟ أما كلَّمتُه على رؤوس الملأ، فقالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا اعتزلناك، فعاد إليه يزيد وقال: ويحك أقبلْ فقد وقدت الفتنة، فقال: أرُفعت المصاحف؟ قال: نعم، قال: والله إنها لمَشورة ابنِ العاهرة؛ يعني عمرو بن العاص،


(١) في (خ): ووهنًا، وفي الطبري ٥/ ٤٩: ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنًا ومكيدة.
(٢) في الطبري: فقال لهم [علي]: فإني إنما قاتلتهم ليدِينوا بحكم هذا الكتاب.