للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو إسحاق الثعلبي: سأل عمر بن الخطاب طلحة والزبير وسلمان الفارسي وكعب الأحبار، فقال: أخليفة أنا أو ملك؟ فقال طلحة والزبير: ما ندري، وقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرّعيّة، ويَقسِمُ بينهم بالسَّوية، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله، ويقضي بينهم بكتاب الله (١). وفي رواية: إن جَبَيتَ من أرض المسلمين درهمًا ووضعته في غير حقِّه فأنت ملك ولست بخليفة، فبكى عمر، فقال كعب: ما كنت أحسب أنَّ في المجلس من يعرف الخليفةَ من الملك غيري، ولكن الله تعالى ألهم سلمان حكمًا وعلمًا (٢).

قوله تعالى: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] الآية. فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنَّه استفهام إنكار، وتقديره: كيف تفعل هذا وهو لا يليق بالحكمة؟ وروى يحيى بن أبي كثير عن أبيه قال: الذين قالوا هذا كانوا عشرة آلاف ملك، فأرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم.

فإن قيل: فهلَّا أحرق إبليس لما خالف؟ قلنا: لما سبق في الأزل من امتحان بني آدم وقوله: ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥] وقال قتادة: غضب الله عليهم فطافوا بالعرش سبع سنين يقولون: لبَّيك اللهم لبَّيك، اعتذارًا إليك، فتاب الله عليهم، فذلك بدء التلبية.

والثَّاني: أنَّه استفهام إيجابٍ، تقديره: ستجعل، كقول جرير:

ألستم خيرَ من ركِب المطايا (٣)

أي أنتم، قال: أبو عبيدة.

والثالث: أنه استفهام استعلام.

ثم في مرادهم بذلك أقوال:

أحدها: أنَّهم استفهموا وجه الحكمة، فكأنهم قالوا: كيف يعصونك وقد


(١) أورد الخبر السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٣٠٦، وعزاه للثعلبي.
(٢) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ٣/ ٣٠٦.
(٣) البيت في ديوانه ١/ ٨٩. وتمامه: "وأندى العالمين بطون راح"، وانظر "مجاز القرآن" ١/ ٣٥ - ٣٦.