للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استخلفتَهم، وإنَّما ينبغي أن يسبِّحوا كما نسبِّح نحن.

والثاني: أنهم قالوه تعجُّبًا من استخلاف من يُفسد.

والثالث: أنهم استفهموا عن حال أنفسهم، وتقديره: أتجعل فيها من يفسد ونحن نسبِّح أم لا، ذكره ابن الأنباري والحسين بن الفضل (١). ونظيره: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ﴾ [الزمر: ٩] ومعناه: كمن ليس بقانت.

فإن قيل: فكيف قطعوا علي بني آدم بالفساد وما رأوهم، وذِكرُ الغائبِ غِيبةٌ، وهل علموا الغَيب حتَّى قالوا ذلك؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: ما روي عن ابن عباس أنه قال: لمّا قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟ قال: ذريَّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضًا، فقالوا عند ذلك: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ﴾.

والثاني: أنهم قاسوا على من تقدَّمهم من الجنِّ الذين أفسدوا في الأرض، فقاسوا بالشاهد على الغائب.

والثالث: كان لهم علم التجربة وعلم الفراسة والظنّ فتحقّق ظنّهم.

والرابع: أنَّه لما أخبرهم بوجود هذا الخليفة وأنه مخلوق من الطَّبائع الأربع المختلفة، والهوى والغضب إنما يثوران من الحرارة، والهوى يفسد والغضب يسفك، فحكموا بذلك.

والمراد بالفساد العمل بالمعاصي. وسفك الدم صبُّه وإراقته، والتسبيح: التنزيه لله من كل سوء، والتقديس: التطهير، والمعنى: ننزّهك ونعظِّمك (٢).

قوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]. واختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: إني أعلم أنه سيكون من ذريته أنبياء وعلماء صالحون، قاله ابن عباس.

والثاني: أعلم أنه سيكون من ذريته من يُذنب فيتوب فأغفر له، قاله مقاتل.


(١) انظر "التبصرة" ١/ ١٣.
(٢) انظر "التبصرة" ١/ ١٣ - ١٤.