وذكره أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" وقال: عن جرير بن عبد الله قال: بَعثني رسول الله ﷺ إلى ذي كَلاع وذي عَمرو، فأسلما، وقال لي ذو كلاع: ادخُل على أُمّ شُرَحْبيل، ووالله ما دخل عليها أحدٌ بعد أبي شُرَحبيل قبلك.
وقال أيضًا عن جرير: فلقيت ذا كَلاع وذا عمرو، فجعلتُ أُحدِّثُهما عن رسول الله ﷺ، فأقبلا معي، حتَّى إذا كنا ببعض الطريق رُفِع لنا رَكْبٌ من نحو المدينة، فسألناهم فقالوا: قُبِضَ رسول الله ﷺ واستُخلف أبو بكر، فرَجَعا إلى اليمن وقالا: أخبرْ صاحبَك أنّنا سنعود (١).
وقال هشام بن محمد: خرج ذو كلاع إلى الشام مجاهدًا بأهله وماله في أيام عمر، واتَّفق قتلُ عثمان بن عفان، فانضاف إلى معاوية، فقدَّمه على جيوشه، وكان شُجاعًا جَوادًا.
وحكى ابن عساكر قال: قال معاوية لذي الكلاع: قُمْ فاخطُب الناس، وحرِّضْهم على قتال علي وأهل العراق، فقعد على فرسه، وكان من أعظم أصحاب معاوية خَطَرًا؛ فحمد الله وأثنى عليه وذكر كلامًا طويلًا اختصرتُه، فمنه أنَّه قال:
وقد كان من قضاء الله تعالى وقَدَرِه أنَّه جمع بيننا وبين أهلِ ديننا بصفّين، وإنا لنَعلم أن منهم قومًا قد كانت لهم سَوابِقُ مع رسول الله ﷺ ذات شأنٍ وخَطَرٍ عظيم، ولكنّا قَلَّبنا هذا الأمر ظهرًا وبَطْنًا؛ فلم يَسَعْنا أن نَهْدِرَ دمَ عثمان، فإن كان أذنَبَ ذنبًا فقد أذنبَ مَن هو خيرٌ منه؛ قال الله تعالى ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١]، واستغفر فغُفِر له، وقتل موسى نَفْسًا، واستغفر فغُفِر له، وقال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ ﴿لِيغفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فلم يَعْرَ أحدٌ من ذنب، وإنا لنعلم أنَّه قد كانت لابن أبي طالب [سابقة] حَسَنة مع رسول الله ﷺ، فإن لم يكن قد مالأ على عثمان فقد خَذَلَه، وإنه لأخوه في دينه وابن عمّه وابن عَمته، وها هو قد أقبل في أهل العراق حتَّى نزل بساحتكم، ووَطِئ بيضَتَكم، وإنما عامة الذين معه بين قاتلٍ وخاذل، فاستعينوا بالله واصبروا، فقد ابتُليتُم أيتها الأمة، والله لقد رأيتُ في هذه الليلة في منامي كأنا نحن