للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل العراق قد اعتَوَرْنا مُصحَفًا، ونحن نضربه بأسيافنا وهو يصيح: الله الله. اللهمَّ أنزِلْ علينا النصر، وأفرغ علينا الصبر (١). وذكر ألفاظًا أُخَر.

وحكى ابن عساكر أيضًا، عن أبي نوحٍ الحِميريّ قال: إني لواقفٌ يوم صفّين في عسكر أمير المؤمنين، إذ نادى رجلٌ من أهل الشام: مَن يَدُلُّني على أبي نوحٍ الحِميريّ؟ فقلتُ: أنا أبو نوح، فمن أنت؟ فقال: ذو كَلَع، فسِرْ إليّ، فقلت: مَعاذ الله أن أَسيرَ إليك إلا في كتيبة، فقال: لا بأس عليك، أنت في ذِمَّة الله وذِمَّتي، إنما أُريد أن أسألك عن أمر، قال: فسرتُ إليه فقال: حدثني عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : "يلتقي أهلُ العراق وأهلُ الشام، في إحدى الكتيبتين الحقُّ، ومعهما عمار بن ياسر"، أفيكم عمار بن ياسر؟ قال فقلت: إي والله هو معنا، قال أجادٌّ هو في قتالنا؟ قلت: إي وربّ الكعبة، وإنه يَودُّ لو أنكم حَلْقٌ واحد فذَبَحه.

قال ابن عساكر: وكان ذو كَلاع قد سمع من عمرو بن العاص: أن رسول الله قال لعمار: "تقتلك الفِئة الباغية"، فكان يوم صفين يقول لعمرو: وَيحك يا عمرو ما هذا؟ فيقول عمرو: سيرجع إلينا عمار، فقُتل ذو الكَلاع وعمار في يوم واحد، قتل ذو الكَلاع أولًا.

قال: وكان معاوية خائفًا منه أن ينتقل إلى عسكر علي ، فقيل لمعاوية: قُتل ذو كلاع وعمار، فقال معاوية: لا أدري بم أُسَرّ، بقتل عمار أو بذي كلاع؟! وإني لأشدُّ فرَحًا بقتله من فتح مصر، لأنه كان يعترض عليّ في أشياء، وكان ميلُه إلى علي.

وقال ابن عساكر أيضًا: ولما قُتل ذو كلاع دخل ابنُه عسكر أمير المؤمنين، فوجده مَربوطًا برِجْله بطُنُبٍ إلى جانب فُسطاط، وكان مع ابنه عبدٌ أسود وبَغْل، فقال: يا أهل الفُسطاط، أتأذلْون لنا في حمله -وكان سمينًا قد انتَفَخ- فأَذِنوا له، ولم يساعدوهم عليه فقال ابنُه: ألا فتى مِعْوانٌ على الخير؟ فخرج إليه رجل من أصحاب أمير المؤمنين يقال له: الخندق، فقال: تَنَحّوا، فقال ابنه: ومَن يَحمله؟ فقال الخندق: الَّذي قتله، ثم احتمله حتَّى رمى به على ظهر البغل، فانطلقا به إلى عسكر الشام.


(١) تاريخ دمشق ٦/ ١٤٤ - ١٤٥.