للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب مَعقِل إلى أمير المؤمنين بالفتح، وكان قد سبى من النصارى من بني ناجية نحوًا من خمس مئة إنسان؛ ليرى أميرُ المؤمنين فيهم رأيَه، فرحل مَعقِل وهم معه، فمر بهم على مَصْقَلَة بن هُبَيرَة الشّيباني، وهو عامل علي [على] أردشيرخُرَّة، فبكى النساء والصبيان وصاحوا: يا أبا الفضل، امنُن علينا فأنت حامل الأثقال، وفكّاك العُناة، فقال: أقسم بالله لأتصدقنّ عليكم.

وبعث مَصْقَلَة ذُهْلَ بن الحارث إلى معقل بن قيس فقال: بِعني بني ناجية، فقال: بألف ألف، فلم يزل به حتَّى باعهم بخمس مئة ألف، ودفعهم إليه وقال: عَجِّل إلى أمير المؤمنين بالمال، فقال: نعم أنا أُنفذه شيئًا بعد شيء.

وقدم معقل بن قيس على أمير المؤمنين، فأخبره فقال: أحسنتَ وأصبت، ثم أبطأ مصقلة على علي بالمال، وبلغه أن مَصْقَلَة خلّى سبيل الأسارى، ولم يسألهم أن يُعينوه في فِكاك نفوسهم بشيء، فكتب إليه: يا مصقلة، اقدم بالمال؛ فإنك قد خنت المسلمين، وإلا فقد أمرتُ رسولي بإشخاصك.

فلما قرأ كتابه أقبل حتَّى نزل البصرة، فقال له ابن عباس: أحضِر المال، وكان عمال البصرة يَحملون من كُوَر البصرة المال إلى ابن عباس، فقال مَصقَلَة: أنظِرْني أيامًا، ثم أقبل إلى علي فأدَّى إليه مئتي ألف وعجز عن الباقي، ولحق بمعاوية، فقال علي: ماله قبحه الله، فَعل فِعل السِّيد، وفرَّ فِرار العبد، وخان خيانةَ الفاجر، أما إنه لو أقام وهو عاجز ما أخذنا منه شيئًا، ثم هدم علي دارَ مَصقلة بن هُبَيرة.

وكان أَخوهُ نعيم بن هُبيرة شيعيًّا، ولأمير المؤمنين مُحبّا ناصحًا، فكتب مصقلة من الشام إلى أخيه نعيم: إني كلَّمتُ معاوية فيك، فوعدك الإمارة والكرامة، فأقبِلْ إلينا عند وصول الرسول، وبعث بالكتاب مع رجل نصراني يُقال له: حُلْوان من بني تَغلِب، وعلم به مالك بن كعب الأرحَبيّ، فبعث بحُلْوان وبالكتاب إلى أمير المؤمنين، فقرأه، وقطع يدَ حُلْوان فمات، وبلغ التغلبيّون هلاكَ حُلْوان، فقالوا لمَصقلة: أنت أهلكتَه، فإما أن تُحييَه وإما أن تَدِيَه، فقال: أما إحياؤه فلا أقدر عليه، ولكني سَأدِيه، فوَدَاه (١).


(١) انظر تاريخ الطبري ٥/ ١٢٠ - ١٣١، وأنساب الأشراف ٢/ ٢٩٦ - ٣٠٣، والمنتظم ٥/ ١٥٣ - ١٥٤.