وقال أبو مخنف: وسار مَعقِل بن قيس من الكوفة في ألفين، وأوصاه علي ﵇ فقال له: يا مَعْقِل، اتّق الله ما استطعتَ، ولا تَبْغِ على أهل القبلة، ولا تظلم أهلَ الذّمّة، ولا تتكَبَّر فإن الله لا يُحبُّ المتكبِّرين.
وسار معقل فنزل الأهواز، وأبطأ عليه مَدَدُ أهل البصرة، فقال لأصحابه: سيروا بنا نلتقي القوم، فإني لأرجو أن ينصرنا الله، فقالوا: سر على اسم الله.
فبينما هو على ذلك إذ جاءه كتاب ابن عباس يقول: قد بعثنا إليك خالد بنَ مَعْدان الطائي، فأقم حيث أنت، فأقام حتَّى وصل الطائي، وسُرَّ القوم بقدومه.
ثم ساروا خلف الخوارج، فلحقوهم عند الجبل، ومعقل أمير الجيش، فصفَّ أصحابَه، فجعل على ميمنته يزيد بن المَعْقِل، وعلى ميسرته مِنجاب بن راشد الضَّبِّي من أهل البصرة، ووقف الخريت بن راشد الناجي بمن معه من العرب والأكراد والعلوج، واقتتلوا ساعة، ثم انهزموا، فقتل معقل منهم ثلاث مئة من العرب والعلوج والأكراد وبني ناجية، وانهزم الخريت بن راشد حتَّى لحق بأسياف البحر، وبها جماعة من قومه، فأقام فيهم يدعوهم إلى الخلاف على أمير المؤمنين، ويأمرهم بحربه؛ حتَّى تبعه منهم خلق كثير، وأقام معقل بأرضِ الأهواز، وكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بالوَقْعة، وفيه:
أما بعد، فإنا لقينا المارِقين وقد استظهروا بالمشركين، فقتلناهم قتلَ عادٍ وإرَم، مع أنا لم نَعْدُ فيهم سيرتَك؛ لم نقتل مُدبِرًا، وقد نصرك الله والمسلمين، فالحمد لله رب العالمين.
فاستشار علي أصحابه فقالوا: نرى أن معقل بن قيس يتبع آثار الفاسق حتَّى يقتله، وإلا أفسد علينا الناس، فكتب إليه يأمره بذلك.
فسار معقل خلفه وهو بالأسياف، فجمع الخرِّيت خلقًا عظيمًا من بني ناجية، والتقوا، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ورأى النُّعمان بن صُهْبان الرَّاسبيّ الخريت بن راشد يجول في الناس، فحمل عليه فطعنه، فسقط عن دابّته، فنزل فقتله، وقتل معه في المعركة عامة بني ناجية، وبعث معقل بن قيس الرِّجال في آثار مَن بقي، فسَبَوا خلقًا كثيرًا، فمن كان مُسلمًا أطلقه معقل، ومَن كان مُرتَدًّا عرض عليه الإسلام، فإن أسلم خلّى سبيله، ومَن أقام على دينه وامتنع من أداء الجِزية أسره.