ثم جاء زياد فوقف ناحيةً في خمسة رجال، فقال له زياد: ما الَّذي نَقمْتُم على أمير المؤمنين وعلينا حتَّى فارقتمونا؟ فقال: لم أرْضَ صاحبَكم إمامًا، ولا سيرتكم سيرة، فاعتزلناكم وصرنا مع مَن يدعو إلى الشورى من الناس، فإذا اجتمع الناس على إمام كنا مع الناس، فقال له زياد: وَيحك، وهل يجتمع الناس على رجل يُداني أمير المؤمنين، وذكر فضائلَ علي وسوابقَه في الإسلام، فقال: ألا إنه خالف كتاب الله وحكَّم الرجال، قال زياد: فلِم قتلتم الرجلَ المسلم؟ قال: ما قتلتُه، وإنما قتله أصحابي، قال: فادفعهم إلينا، قال: لا سبيل إلى ذلك.
ثم تداعَوا إلى القتال، وقُتل منهم جماعة، وحال الليل بين الفريقين، فلما كان وقت السَّحَر ذهبوا تحت الليل، فنزلوا الأهواز، وكتب زياد إلى علي ﵇ مع عبد الله بن وَأْلٍ يقول:
أما بعد، فإنا لقينا عدو الله الناجي وأصحابَه بالمذار، فدعوناهم إلى الهدى وكلمة الحق، فأخذتهم العِزّة بالإثم، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، فاقتتلنا قتالًا شديدًا إلى الليل، فاستُشهد منا رجلان صالحان: مولى لزياد كانت معه رايته يُدعى سُويدًا، ورجل من الأبْناء يُدعى وافدَ بنَ بكر، وأصيب من الخرارج خمسة نفر، وفشت فينا وفيهم الجراحات، وساروا تحت الليل نحو الأهواز، ونحن بالبصرة نداوي جراحَنا، وننتظر أمرَك، والسلام.
فجهّز علي ﵇ مَعقِل بن قيس من الكوفة في ألفين وكتب إلى ابن عباس إلى البصرة بأن يُجَهّز رجلًا من أهل الصلاح في ألفين، وأمر زياد بن خصفة بأن يوجع إلى الكوفة، وكتب إلى زياد:
أما بعد، فقد وصلني كتابُك، وفهمتُ لما ذكرتَه عن الناجي وأصحابه؛ الذين طبع الله على قلوبهم، وزَّين لهم الشيطان أعمالهم فهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنْعًا، وأما أنت وأصحابُك فلله سَعْيُكم، وعليه جزاؤكم، فأبشروا بثواب الله، خير من الدنيا التي يقتل الجهَّالُ أنفسَهم عليها، ما عندكم ينفد وما عند الله باق، كأنك بالقوم بعد قليل بين أسير وقتيل، فأقبل إلينا أنت وأصحابك مَأجورين مُثابين، أطعتم وسمعتم وأحسنتم البلاء، والسلام.