للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكره أبو سعيد بن يونس فقال: كان فيمن نفاه عثمان إلى الشام، وكان من المؤلّبين على عثمان، وشهد حَصْرَه، وكان قد حضر اليرموك وأبلى فيه بلاء حسنًا، وذهبت إحدى عينيه، وانشترت الأخرى، وقد ذكرنا فعلَه يوم الجمل، وأنه هو الَّذي عقر الجمل، وصرع عبد الله بن الزُّبير حتَّى قال ابن الزبير: اقتلوني ومالكًا، ولما دخل على عائشة بعد وَقْعة الجمل قالت له: أنت الَّذي أردتَ قتلَ ابن أختي؟ فقال: [من الطويل]

فوالله لولا أنني كُنْتُ طاويًا … ثلاثًا لألفَيتِ ابنَ أُختِك هالِكا (١)

وقد ذكرناه هناك، ووَلده إبراهيم بن الأشتر الَّذي قتل عبيد الله بن زياد على الزّاب، وسنذكره.

ذكر ولاية الأشتر على مصر ووفاته:

قال علماء السير كابن إسحاق وهشام والواقدي: ولما اختلّ أمرُ مصر على محمد بن أبي بكر، وبلغ أمير المؤمنين قال: ما لمصر إلا أحد الرجلين؛ صاحبنا الَّذي عزلناه عنها؛ يعني قيس بن سعد، أو مالك بن الحارث، يعني الأشتر.

وكان أمير المؤمنين حين انصرف من صفين ردّ الأشتر إلى عمله على الجزيرة، وكان عاملًا عليها، فكتب إليه وهو يومئذ بنصيبين: سلام عليك يا مالك، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدِّين، وأقمع به نَخْوة الأثيم، وكنتُ قد ولَّيتُ محمد بن أبي بكر مصر، فخرجت عليه خوارج، وهو غلام حَدَثٌ غِرّ، ليس بذي تَجربةٍ للحرب، ولا مُجَرِّبٍ للأشياء، فاقدم عليّ لننظر من ذلك فيما ينبغي، واستخلِفْ على عملك أهلَ الثقة النَّصفة (٢) من أصحابك، والسلام.

فأقبل مالك حتَّى قدم على علي ، فأخبره بحديث محمد وما جرى عليه، وقال: ليس لها غيرك فاخرج رحمك الله، فإني إن لم أُوصِك اكتفيتُ برأيك، فاستعن بالله على ما أهَمّك، واخلط الشدَّة باللين، وارفق ما كان الرّفق أبلغ، واعتزم بالشدَّة حين لا يغني عنك إلا الشّدَّة.


(١) انظر السير ٤/ ٣٤، وتاريخ دمشق ٦٦/ ٤١.
(٢) في تاريخ الطبري ٥/ ٩٥: النصيحة، وهي الأشبه.