قال: فاستشار معاوية أصحابَه: عمرو بن العاص، وحَبيب بن مَسلمة، وبُسْر بن أبي أرطاة، والضّحّاك بن قيس، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأبا الأعور عَمرو بن سفيان السُّلَمي، وغيرهم، وهؤلاء كانوا بِطانتَه، فقال: هل تَدرون لماذا أدعوكم؟ قالوا: لا يَعلم الغيب إلا الله، فقال له عمرو: نعم، أهمَّك أمر مصر وخراجها الكثير، وعَدد أهلها، فدعوتنا لنُشير عليك فيها، فاعزم وانهض، فإن في افتتاحها عِزّك وعِزّ أصحابك، وكَبْتَ عدوِّك.
فقال له: يا ابن العاص إنما أهمَّك الَّذي كان بيننا، يعني أنَّه كان قد أعطاه مِصر طُعْمَةً لما صالحه على قتال أمير المؤمنين، وقال معاوية للقوم: ما ترون؟
قالوا: ما نرى إلا رأي عمرو، قال: فكيف أصنع؟! فقال عمرو: ابعث جيشًا كثيفًا، عليهم رجلٌ حازمٌ صارم، تثق به، فيأتي إلى مصر، فإنه سيأتيه مَن كان من أهلها على رأينا، فيظاهره على من بها من أعدائنا. فقال معاوية: أو غير هذا؟
قال: وما هو؟
قال: نُكاتب مَن بها من شيعتنا، نأمرهم [بالثبات] على أمرهم، ونُمنيهم قُدومَنا عليهم، فتقوى قلوبُهم، ونعلم صديقَنا من عدوّنا، وإنك يا ابن العاص بُورك لك في العَجَلة، ولي في التُّؤَدَة.
قال عمرو: فاعمل برأيك، فو الله ما أرى أمرَكم إلا صائرًا إلى الحرب.
قال: فكتب إليهم معاوية كتابًا يُثني عليهم ويقول: هنيئًا لكم بطلب دَم الخليفة المظلوم، وجهادكم أهلَ البغي، وقال في آخره: فاثبتوا فإن الجيش واصل إليكم، والسلام.
وبعث بالكتاب مع مَولىً يقال له: سُبَيع، فقدم مصر ومحمد بن أبي بكر أميرها يؤمئذٍ، فدفع الكتاب إلى مَسلمة بن مخلّد الأنصاري، وإلى مُعاوية بن حدَيج، فكتبا جوابه:
أما بعد: فعَجِّل علينا بخَيلك ورَجْلك، فإن عدونا قد أصبحوا لنا هائبين، فإن أتانا