للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المَدَد من قِبلك يَفتح الله علينا … وذكر كلامًا طويلًا.

وكان مسلمة ومعاوية بن حُدَيج مقيمان في عشرة آلاف في خَرِبْتا، قد باينوا محمد بن أبي بكر، ولم يُحسن تَدبيرَهم كما كان قيس بن سعد يفعل، فانتقضت عليه الأمور، وانخَرَمَت القواعد.

ولما وقف معاوية على جوابهما -وكان يومئذ بفلسطين- جَهّز عمرو بن العاص في ستة آلاف، وخرج معه معاوية يُودّعه، وأوصاه بما يفعل، وقال له: عليك بتقوى الله، وبالرِّفق فإنه يُمْن، والعَجَلةُ من الشيطان، وأن تَقبل ممّن أقبل، وتعفو عمّن أدبرَ؛ فإن قَبل فبها ونِعمتْ، وإن أبي فإن السَّطْوَةَ بعد المَعْذِرة أقطع من الحجّة، وادعُ الناس إلى الصُّلح والجماعة، فإذا أنت ظهرتَ فليكن أنصارُك أَبَرَّ الناس عندك.

فسار عمرو، فلما دانى مصر اجتمعت العثمانيّة إليه، فكتب إلى محمد بن أبي بكر: أما بعد، فتَنَحّ عني بدمك، فإني لا أحبُّ أن يُصيَبك مني قُلامَة ظُفْر، والناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك، فاخرج إني لك من الناصحين.

وجاءه كتاب معاوية يقول: يا محمد، إن البغي والظُّلم عظيم الوَبال، وسَفْكَ الدم الحرام من النّقمة في الدنيا والآخرة، وإنا لا نَعلم أحدًا كان على عثمان أشدَّ منك؛ سعيتَ عليه مع السَّاعين، وسفكتَ دمَه مع السَّافكين، ثم أنت تظنُّ أني نائم عنك أو ناسٍ لك فعلَك، حتَّى تأتي فتتأمّر على بلاد أنت فيها جاري، وجلُّ أهلها أنصاري، يَرون رأي، ويَرقبون قولي، ويستصرخون عليك، وقد بعثتُ إليك قومًا حِناقًا، يستسقون بدمك، ويتقرّبون إلى الله بجهادك، وقد أعطوا الله عهدًا ليُقاتلُنَّك، وذكر فعلَه بعثمان، وضربه بالمشاقِص، ثم قال في آخر الكتاب: ولن يُسْلِمَك الله من القِصاص أينما كنت، والسلام.

فطوى محمد الكتابَين، وبعث بهما إلى أمير المؤمنين، وكتب إليه: أما بعد، فإن ابن العاص قد نزل أداني مصر، واجتمع إليه مَن كان يرى رأيَه، وقد جاء بجيش جرّار، وقد رأيتُ ممَّن قِبَلي بعض الفشل، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمِدَّني بالأموال والرجال، والسلام.

فكتب إليه علي : أما بعد، فقد قرأتُ كتابَك، وفهمت ما قلت، وإن