للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزولَ ابن العاص بأداني مصر، وخروج مَن خرج إليه، فذلك خير لك من إقامتهم عندك، وذكرتَ أنك قد رأيتَ في بعض مَن قِبَلك فَشَلًا، فلا تفشل أنت، واضمُم إليك شيعتَك، واندُب إلى القوم كِنانة بن بِشر، المعروف بالنّصيحة والنّجدة والبأس، فإني نادِبٌ إليك الناس على الصَّعبِ والذَّلول، فاصبر لعدوّك، وامض على بصيرتك، وقاتلهم على نيَّتِك، وجاهدهم محتسبًا، وإن كانت فِئتُك أقلَّ الفئتين فإن الله يُعزّ القليل، وقد يَخذل الكثير، وقد قرأت كتاب الفاجِرَين، والمتحابَّين على المعصية، والمتَّفِقَين على الضّلالة، والمتواطِئين على الفاحشة، الذين استمتعوا بخَلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، ولا يَهُلْك إبراقُهما وإرعادُهما، وأجبهما إن كنت مُجيبهما بما هما أهلُه، فإنك تجد مقالًا ما شئت، والسلام.

فكتب محمد إلى عمرو: أما بعد، فإنك يا ابن العاص زعمتَ أنك تكره أن يُصيبَني منك ظُفْر، وأشهد أنك من المُبْطِلين، وزعمتَ أنك لي من الناصحين، وإنك من الغاشّين.

وكتب إلى معاوية: أما بعد، فإني لا أعتذر إليك من أمر عثمان، وإنني أرجو أن تكون لي عليكم دائرة، فإن نُصرتم عليّ في الدنيا فلَعَمري كم ظالمٍ قد نَصرتُم، ومؤمنٍ قد قتلتم، والله المستعان على ما تصفون.

ثم قام خطيبًا في الناس فقال: أما بعد، فإن القوم الذين ينَتهكون الحُرْمَة، ويُشبّون نارَ الفتنة، قد نَصبوا لكم العدواة، وساروا إليكم بجيوشهم، فمَن أراد الجنّة فلْيخرج إليهم، فليُجاهدهم في الله، انتدِبوا مع كنانة بن بشر.

فانتدب مع كنانة نحو من ألفَي رجل، وخرج محمد بن أبي بكر في ألفين، واستقبل عمرو بن العاص كِنانة وهو على مقدّمة محمد، ومحمد يُسَرِّح إلى كنانة الكتائب، فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حُدَيج السَّكوني.

وفي رواية: فلما رأى عمرو كِنانة قد أقبل سَرَّح إليه الكتائب من أهل الشام كتيبة بعد كتيبة، وكنانة يهزمها، فاستنجد عمرو بمعاوية بن حُدَيج السَّكوني، فسار في أصحابه وأهل الشام، فأحاطوا بكنانة، فلما رأى كِنانة ذلك ترجَّل عن فرسه، وترجَّل أصحابه، وقرأ كنائة ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ إلى قوله ﴿وَسَنَجْزِى الْشَّاكِرينَ﴾ [آل