عمران: ١٤٥]، ثم أبلى بلاءً حسنًا، وقتل من أهل الشام مَقتلة عظيمة، وقتلوه.
ولما رأى أصحاب محمد بن أبي بكر ذلك تفرَّقوا عنه، فنزل محمد عن فرسه، ومشى حتَّى انتهى إلى خَرِبة، فأوى إليها، وجاء عمرو فدخل الفُسطاط، وخرج معاوية بن حُدَيْج في طلب محمد، فسأل قومًا من العُلوج -وكانوا على الطريق- فقال: هل رأيتم رجلًا من صِفته كذا وكذا؟ فقال واحد منهم: دخلتُ تلك الخَرِبة وإذا برجل جالس، فقال ابن حديج: هو وربّ الكعبة، فدخلوا فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشًا، فأقبلوا به نحو الفُسطاط.
ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص -وكان في جُنده- فقال: أتقتل أخي صَبْرًا؟ فأرسل عمرو إلى معاوية بن حُدَيْج يأمره أن يأتيَه بمحمد، فقال معاوية: أتقتل كنانة بن بِشر وأُخلّي أنا عن محمد، هيهات هيهات؟!
فقال محمد: اسقوني ماءً، فقال معاوية: لا سقاني الله إن سقيتُك قطرةً، إنكم منعتم عثمان الماء، ثم قتلتموه صائمًا فتلَقَّاه الله بالرَّحيق المختوم، والله لأقتلنَّك يا ابن أبي بكر، فليسقِك الله من الحميم، فقال له محمد: يا ابن اليهودية النسَّاجة، ليس ذلك إليك، أما والله لو كان سيفي بيدي ما بلغتم بي هذا.
فقال معاوية أتدري ما أصنع بك؟ أُدخِلك في جوف حمار، ثم أحرقه عليك بالنار.
فقال محمد: إن فعلتم ذلك فطالما فعلتموه بأولياء الله، وإني لأرجو أن النار التي تُحرِقُني أن يَجعلَها الله عليّ بَرْدًا وسلامًا، كما جعلها على خليله إبراهيم، وأن يَجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نُمروذ وأوليائه، يحرقك ووليّك معاوية وعمرو بن العاص بنارٍ تَلَظَّى كلّما خَبَتْ زدناهم سَعيرًا.
فقال له معاوية بن حُدَيج: إنما أقتلُك بعثمان. فقال له: وما أنت وعثمان! إن عثمان عَمل بالجَوْرِ، ونَبَذ حُكم القرآن، فنَقم المسلمون عليه فقتلوه، وأغلظ له، فغضب ابن حُدَيج وقتله، ثم ألقاه في جِيفة حمار، ثم حَرقه بالنار.
وبلغ عائشة فجَزِعت عليه جَزَعًا شديدًا، وقنتت في دُبُرِ كلِّ صلاة تدعو على معاوية بن حُدَيج وعَمرو، وقبضت عيال محمد إليها وولده، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر في عيالها.