للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب إليه ابن عباس: لأن ألقى الله بكلِّ ما على ظهر الأرض، وبما في بطنها؛ أحبّ إلي أن ألقاه بدمِ مُسلم.

فكتب إليه أمير المؤمنين: إن الدِّماء التي أشرت إليها قد خُضْتَها إلى ساقيك، وبذلت في إراقتها جُهدك، ووضعت بإباحتها حظَّك، والسلام.

وقال البلاذري (١): ابتاع ابن عباس لما قدم مكة من جُبير مولى بني كعب الخزاعي ثلاث مُوَلِّدات: حوراء، وفُتون، وشادن بثلاث آلاف دينار.

قلت: كذا ذكر أرباب السير هذه الواقعة والمكاتبات بين أمير المؤمنين وابن عباس، والظن بابن عباس خلاف ذلك، فإنه كان يُعظّم أمير المؤمنين تعظيمًا لم يُعظّمه غيره، ويري في حقّه ما لم يره سواه، وكأن أمير المؤمنين يعترف بفضل ابن عباس، ويُعدّه للمهام، ويستشيره في أموره كلها، وولّاه البصرة، وولّى إخوته أعظم الولايات، وأفخر الأماكن، ويحتمل أن ابن عباس أخذ من بيت المال ما يَستحقّه في مدة طويلة، فحرف عليه أهل الضغائن والأحقاد ما ذكروه، وشنّعوا بما أثبتوه.

وقد قال قوم: إن ابن عباس ما زال بالبصرة حتَّى استشهد أمير المؤمنين، فقال أبو زيد: زعم أبو عبيدة - ولم أسمعه منه - أن ابن عباس لم يزل بالبصرة حتَّى قُتل علي ، فشخص إلى الحسن بن علي، فشهد الصلح بينه وبين معاوية، ثم رجع إلى البصرة، فحمل ثَقَلَه ومالًا من بيت المال، وقال: هي أرزاقي.

قال أبو زيد: فذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره، وزعم أن عليًّا قُتل وابن عباس بمكة، وأن الَّذي شَهد الصُّلح بين الحسن ومعاوية عُبيد الله بن عباس.

قلت: وهذا هو الصحيح، وقد نصّ عليه المدائني وغيرُه: أن ابن عباس كان بمكة لما قتل أمير المؤمنين.

وفيها استُشهد أمير المؤمنين، حدثنا عبد العزيز بن محمود البزاز بإسناده، عن زهير بن الأرقم قال: خطبنا علي يوم الجمعة فقال: نُبِّئت أن بسرًا -يعني بن أبي أرطاة- قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أنَّه سيظهر هؤلاء القوم عليكم، وما


(١) في أنساب الأشراف ٢/ ١٢٨.