للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعبد الله بن رزَين، وجماعة من قيس فأخذ ما كان في بيت المال.

واختلفوا في مبلغه، فقال هشام: أربع مئة ألف درهم، وقيل: سبع مئة ألف، وقال البلاذري: ألف ألف درهم.

وتبعتهم بكر والبطون إلى الطّفوف، فاقتتلوا وكثُرت الجراحات في الفريقين، ثم رأوا البقيا بعضهم على بعض فكفوا عنه، وأفلت ابن عباس في عشرين رجلا بالمال إلى مكة، وبلغ عليًّا فأرسل وراءه الخيل ففاتهم.

وفي رواية: فكتب أمير المؤمنين إلى ابن عباس: أما بعد، فإني أشركتُك في أمانتي، ولم يكن أحدّ من أهل بيتي أوثق في نفسي منك؛ لمؤازرتي وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان لابن عمك قد حَرب، والعدوّ عليه قد كَلِب، وأمانة الناس قد خَرِبت، والأمة قد افتُتِنَتُ، قلبت لابن عمك ظَهرَ المِجَنّ؛ بمفارقته مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفتَ ما قَدرت عليه من مال الأمة؛ اختطافَ الذِّئب الإزل (١) فاردَةَ المِعزى، أما تُوقن بالمعاد، وتخاف ربَّ العباد، أو ما يَكبر عليك أنك تأكل الحرام، وتَنكِح الحرام، وتشتري الإماءَ بأموال الأرامل والأيتام، اردُد إلى المسلمين أموالهم، ووالله لئن لم تفعل لأعذرنّ الله فيك، فإن الحسن والحسين لو فعلا ذلك لم يكن لهما عندي هَوادة، والسلام.

فكتب إليه ابن عباس: حقي في بيت المال أكثر مما أخذتُ.

فكتب إليه علي: العجب كلّ العجب من تزيين نفسك لك! إنك أخذتَ أكثر مما تستحقه، وهل أنت إلا رجل من المسلمين ليست لك سابقة، وقد علمتَ سوابقَ أهل بدر، وما كانوا يأخذون غير ما فرض لهم، ويكفي أنك اتَّخذت مكة وطنًا، وضربت بها عَطَنًا، تشتري من مُوَلَّدات الطائف ومكة ما تقع عليه عينُك، وتميل إليه نفسُك، وتبذل فيهن مال غيرك، فكأنْ قد بلغت المَدَى، وعُرض عليك عَمَلُك غدًا بالمحلِّ الأعلى الَّذي يَتَمَنَّى (٢) المُضيع للتوبة الخلاص، ولات حين مَنَاص.


(١) الشديد الداهية.
(٢) في (خ) و (ع): ينهي؟! والمثبت من أنساب الأشراف ٢/ ١٢٩، والعقد ٤/ ٣٥٩.