للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمعاوية قال له معاوية: ما كنت عندي أَلْوم منك الآن، هلّا نصرته، ولم قعدتَ عن بيعته، أما إني لو سمعت رسول الله يقول له ذلك لكنتُ له خادمًا ما عشت.

ولما وَلي معاوية الخلافة دخل عليه سعد بن أبي وقاص فقال: السلام عليك أيُّها الملك، فضحك معاوية وقال: يا أبا إسحاق ما ضَرَّك لو قلتَها -يعني أراد أن يُسلِّم عليه سعد بالخلافة- فقال سعد: والله لا أقولها أبدًا، أتقول هذا يا معاوية وأنت جَذْلان ضاحك، والله إني ما أحبُّ أني وُلِّيتُها بما وُلِّيتَها به (١). والجَذْلان بجيم: الفَرِح.

ومنها حديث الراية، قال البخاري بإسناده عن سهل بن سعد؛ أن النبي قال يوم خيبر: "لأُعطيَنَّ الراية -أو هذه الراية- غدًا رجلًا يفتح الله يديه، يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبه اللهُ ورسوله"، فبات الناس يَذكرون أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غَدَوا على رسول الله ؛ يرجو كلٌّ أن يُعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ " فقيل: يا رسول الله، هو يشتكي عينه، فأرسلوا إليه، فجاء وهو رَمِدٌ، فبَصق في عينه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وَجَعٌ، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مِثلَنا؟ فقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه، فو الله لئن يَهتدي بهُداك رجلٌ واحد خير لك من أن تكون لك حُمُر النَّعَم".

أخرجاه في الصحيحين (٢)، وإنما ضرب المثل بحُمر النَّعم لأنها من أعزِّ أموال العرب. وفي "المسند" (٣) عن علي قال: ما رَمِدت عيني منذ تَفَل فيها رسول الله .

وقد أخرج أحمد في "المسند" بمعناه، وفيه: فأخذ رسول الله الراية فهزَّها، ثم قال: "من يأخُذُها بحقِّها؟ " فقال فلان: أنا، فقال رسول الله : "أمِطْ" أي: اذهب، ثم جاء آخر فقال: أنا، فقال: "أمِط" أي: اذهب، ثم قال: "والذي كَرَّم وجهَ محمد، لأُعطينّها رجلًا لا يَفِرّ، هاك يا علي" فأخذها وانطلق، ففتح الله على يديه (٤).


(١) أنساب الأشراف ٤/ ٣١.
(٢) صحيح البخاري (٢٩٤٢)، وصحيح مسلم (٢٤٠٦).
(٣) برقم (٥٧٩).
(٤) مسند أحمد (١١١٢٢).