الناسَ مُجتمعين على بابه، فضَربهم بالدّرة حتى تفرقوا، ثم قال لعمرو بن حُرَيث: كنتُ أظن أن الأُمراء يَظلمون الناس، وإذا بالناس يظلمون الأمراء، ما في هؤلاء من خير.
وقال الكُميل بن زياد: كان أمير المؤمنين يَرقع ثوبَه، ويَخصف نعلَه، ويتولّى حَوائجَه بنفسه، فعاتبته يومًا على ترك الشّهوات، والتَّقَلُّل من الدنيا، وما هو فيه من شدّة العيش، فبكى وقال: كأن رسول الله ﷺ يَخصِف نَعلَه، ويَرقع ثوبَه، ويَحمل حاجته، ويُجالس المساكين، ويَبيتُ الليالي طاويًا، ويَشُدّ الحَجَر على بطنه، وما شبع من طعام أبدًا، وكنتُ أشدُّ الحَجَر معه، فهل أكرمه الله بذلك أو أهانه؟! فإن قال قائل أهانه فقد فَسق ومرق، وإن قال أكرمه علمنا أن الله أهان غيره، حيث بسط له الدنيا، وزواها عن أعزّ الخلق عليه، وأقربهم إليه، حيث خرج من الدنيا خَميصًا، وورد الآخرة سَليمًا؛ لم يرفع حَجرًا على حجر، ولا لَبِنة على لَبِنة، ولقد سلكتُ سبيلَه بعده، ورَقعتُ مِدرعتي هذه حتى استحييتُ من راقعها، فقيل لي: ألا تستبدل غيرها؟! فقلت للقائل: اغْرُبْ، فعِند الصَّباح يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى.
ذكر جملة من كلامه، ولمعة من نثره ونظامه:
روى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن رجل من بني شيبان قال: خطب علي ﵇ يومًا، فقال في خطبته: أيَّتها النفوس المختلفة، والقلوب المُشَتَّتة، الشاهدة أبدانُهم، الغائبة قلوبُهم، المختَلَّة عقولهم، كم أدلكم على الحق وأنتم تَنفرون نُفور المعزى من وَعْوَعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم سَنام العدل، أو أقيم بكم اعوجاج الحق.
اللهمَّ إنك تعلم أني لم تكن مني منافسةٌ في سلطان، ولا التماسُ شيءٍ من الدنيا، ولكن لأردَّ المعالم من دينك، وأُظهر الصَّلاح في بلادك، وتُقام المُعَطَّلة من حدودك.
اللهمَّ إنك تعلم أنه لا ينبغي أن يكون على الدّماء والفُروج والمغانم والإمامة البخيلُ؛ لأن نَهُمَته في جمع المال، ولا الجاهل فتَخْتَلّ الأحكام، ولا الجافي فتنفر الرّعيَّة بجفائه، ولا الخائف فيتخذ قوم دون لشدته (١)، ولا المرتشي في الحكم فتذهب الحقوق، ولا المُعَطِّلُ السننَ، ولا الباغي فيدحض الحق ببغيه، ولا الفاسق فيستن