ولله عليّ إن لم أقتله -أو قتلته وبقيت- أن آتيك، فأضع يدي في يدك، فقال له الحسن: لا والله حتى تُعاينَ النار، ففعل به ما فعل.
وذكر المدائني: أن أمير المؤمنين أمرهم أن يُمَثّلوا به، وهو وَهْمٌ منه لما روينا من النّهي عن المُثْلَة، وأنها حرام، فكيف يأمر بالحرام، وما فعله به أولاد علي ﵇ فكان من رأيهم لا من رأيه، لأنه قال: ضربة بضَرْبة، كما قلنا.
وقيل: إن أم الهيثم بنت الأسود أخذت جُثَّته فأحرقتها، وذكر علي بن عَقيل في كتاب "الفنون" أن ابن مُلْجَم قال للحسن: إني أريد أن أُسَارَّك بشيء، فأبى الحسن وقال: إنه يريد أن يَعَضّ أُذني، فقال ابنُ مُلْجَم: والله لو أمكنني منها لأخذتُها من صِماخها.
ثم قال ابن عقيل: انظرو إلى حُسنِ رأي هذا السَّيِّد؛ الذي قد نزل به من المصيبة الفادحة ما يذهل الخلق، ويقظته إلى هذا الحدّ، وانظروا إلى ذلك اللعين؛ كيف لم يَشْغَلْه حالمه عن استزادة غِشّه (١)!
قلت: وقول ابن سعد: والعباس بن علي صغير فلم يُسْتَأْن به بلوغه؛ دليل لأبي حنيفة: أنه إذا قُتل إنسان وله وَرَثة كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا القاتل وإن لم يَبلغ الصغار، وهو قول فقهاء الصحابة، وعند أبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد أنه ليس للكبار ذلك حتى يَبلغ الصغار، فإذا بلغوا اجتمعوا على الاستيفاء.
وجه قولهم: أنه حقٌّ مُشتَرك، فلا يَنفرد أحدهم باستيفائه كما لو كانوا كبارًا، ولأبي حنيفة استيفاءُ القصاص من ابن مُلْجَم وفي الوَرَثة صِغار، وفَعل الحسن ذلك بمَحضرٍ من أعيان الصحابة، وقد كان فيهم جماعة من أهل بدر، فحلّ محلَّ الإجماع، ولا يقال: فعله سياسة؛ لأن القتل سياسة إنما يُفَوَّضُ إلى رأي الإمام؛ لأنه قد روي أن الحسن إنما قتله قبل أن يُبايَع بالخلافة، وقبلَ أن يَقع الإجماعُ على إمامته، وقولهم:
(١) نقله عن ابن عقيل: ابنُ القيم في الطرق الحكمية ص ٣٨.