للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقٌّ مُشتَرَك، قلنا: الصغير عاجز فيقوم الكبير القادِرُ مَقامه (١).

قلت: ونقلتُ من خطّ جدّي من جزء فيه فضائل عاشوراء؛ أحضره إليّ أبو سليمان خالد بن يوسف النابلسي المحدِّث الحافظ بدمشق في أواخر سنة إحدى وخمسين وست مئة، قال جدي: روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مَرْدَويه الحافظ في كتاب "مناقب أمير المؤمنين" بإسناده عن أبي منصور بن عمار: قال بعثني هارون الرشيد إلى بلد الروم في بعض أموره، فأنزلني على بِطريق من البطارقة، فكنت عنده زمانًا أو حينًا، فأنِسَ بي، ثم قال لي يومًا: حدثني هذا الرَّاهب -وأومأ إلى راهب في صومعة، وقال: هو فيها منذ أربعين سنة، قلت له: حَدَّثني بأعجب ما رأيتَ في صومعتك هذه- فقال: بينما أنا فيبها إذ خرج من البحر طائر عظيم، أعظم من بُخْتيّ، فرفرف على صومعتي، فهالني ذلك هولًا عظيمًا، ثم سقط إلى الأرض، ورمى من منقاره رأسَ إنسانٍ ويديه ورجليه، ثم استوى ذلك رجلًا قائمًا، فعاد الطائر فابتلعه ورجع إلى البحر، ثم خرج في اليوم الثاني، والثالث ففعل كذلك.

قال: فلما كان في اليوم الثالث قبل أن يَبتلعه قلت للرجل: بالذي ترجوه أن يُفرِّج عنك مما أنت فيه، مَن أنت؟ فقال: أنا عبد الرحمن بن مُلْجَم قاتل علي بن أبي طالب، وَكَّل الله بي هذا الطائر؛ يفعل بي هذا كلّ يوم إلى يوم القيامة.

ثم قال جدي: ويُصدِّق هذا الحديث ما روى أبو محمد بن قتيبة في كتاب "غريب الحديث" من حديث عكرمة: أن رجلًا قال لرسول الله : إني مررتُ بجَبوب بدر -والجَبوب: الأرض الغليظة- وإذا برجلٍ أبيض، ورجلٍ أسود بيده مِرْزَبة من حديد؛ يضربه بها الضَّربةَ فيغيب في الأرض، ثم يبدو فيضربه بها فيغيب، ثم يبدو فيضربه، فقال رسول الله : "ذاك أبو جهل، يُفعَل به ذلك إلى يوم القيامة" (٢).


(١) انظر في هذه المسألة المغني ١١/ ٥٧٦ - ٥٧٧، وبدائع الصنائع ١٠/ ٢٧١ - ٢٧٢، والمبسوط ٢٦/ ١٧٤، وحاشية ابن عابدين ٦/ ٥٣٩.
(٢) الخبر في تصحيفات المحدثين ١/ ٤٧، والفائق ١/ ١٨٦، ولم أقف عليه في غريب الحديث لابن قتيبة بطبعتيه.